الأربعاء، 23 يناير 2013

سندريلا بلا حذاء

لما بدأ الحكيم يروى قصة الجميلة سندريلا بدأ الحضور ترتسم على وجههم علامات التعجب والذهول عندما قال الحكيم ... إن سندريلا لم تفقد حذائها عندما غادرت الحفل فى التوقيت الذي حددته لها الساحرة

يقول الحكيم ... يا أولادي الأغنياء غيروا وبدلوا فلم تكن سندريلا ابداً لتنتمي لعالمهم .. هل تعلمون أنها غادرت الحفل فى هدوء متسللة من الباب الخلفي حتى لا يراها الأمير ، لذلك لم تكن لتستطيع الوصول لمكان العربة المسحورة والتى وقفت امام البوابة الرئيسية ، بل أخذت طريقها ناحية البيت وسط أزقة وحوارى المدينة الفقيرة

كان المشهد عجيباً .. فتاة فى كامل زينتها وبثياب الأميرات وبحذاء مصنوع من الزجاج النقي - والذي لا تستطيع الأميرات الحصول على مثله - تعبر طرقات الفقراء فى هدوء وبدون خوف أو قلق ويبدو أنها تعرف طريقها بشكل أدهش الجالسون حول نيران اشعلوها للتدفئة فى تلك الليلة الباردة وبجوارهم أطفالهم يأنون من الجوع .. الجوع الذي أصبح كالغراب ينعق فى كل أزقة المدينة التى لم تعرف يوماً طعماً للشبع أو دفء الأسِرٌة ، ولم يعتد أحد سكانها التجرؤ يوما على  الحلم ، ذلك أن النوم بهدوء وسكينة لم يكن من ضمن ممتلكات الفقراء في تلك المدينة

لما وصلت سندريلا قرب السوق كان هناك امرأة ومعها ثلاثة أطفال يبكون وينامون على الأرض وبرودة الطقس تكاد تفتك بهم ، وأمهم مصابة بالعمى  ... يا الله من يعول من!! الأطفال يعولون تلك الكفيفة أم الأم تعول أطفالها؟! ... لما توقفت عندهم سندريلا انهمرت دموعها وبللت ثوبها بدون أن تشعر ... كانت الساحرة قد أخبرتها انها لو بكت او فقدت حذائها ستتحول من أميرة إلى فقيرة ، ولكن ها هى دموعها تنهمر كالنهر الصغير  وبدون أن تستطيع ايقافها

أدركت الفتاة انها ستتحول لفقيرة الآن فخلعت الحذاء الزجاجى ودخلت احدى الحانات وراحت تعرضه للبيع على كل الساهرين السكارى  ، ولكن الحذاء أعجب الراقصة فدفعت ثمناً مرتفعا ثمنا له ، واخذته وهى ترى نفسها ترقص فى قصور الأمراء بمثل ذلك الحذاء الذي لا تملكة أميرات تلكم القصور ... والذي ستجنى من وراءه أموالا كثيرة ، وقد تصبح عشيقة أحدهم

أخذت سندريلا المال واشترت ببعضه طعاماً وغطاءً ورجعت حيث تركت السيدة وأطفالها وسهرت على اطعام الأطفال ودفئتهم بالغطاء ، ثم أنها مدت يدها لتمسك بكف الأم وفتحت كفها وقبلتها قبلة فتاة لأمها ووضعت ما تبقى من ثمن الحذاء في يدها وهى تهمس فى أذنها  ... يا أمى أطعمي أولادك بهذا والله معك .. ثم غادرت

لما نظرت سندريلا لنفسها وجدت أن ملابسها قد تغيرت لملابسها القديمة البالية التى اعتادت زوجة أبيها على إلباسها ، لم تحزن الفتاة بل مشت فى طريقها نحو منزلها وقد بدأ نور الصباح يفتح يده ليغسل خطيئة الليل الذي يأتى ليحيل حياة الفقراء لجحيم كل ليلة ، ومدت الشمس يدها الدافئة لتربت على ظهور الضعفاء 

عادت الفتاة الطيبة لبيتها ولحياتها الفقيرة  ، ولكن الأمير لم يعد لحياته ... ذلك أنه قد أحب بالفعل ، بل صدقاً كان قد وجد توأم روحه التى خلقت معه وظل يبحث عنها سنوات شبابه الذي اوشك على الرحيل ، سهر الأمير ليال طويلة ، ولم يعد يهتم بمظهره ، وتبدل حاله وأصبح يروى الشعر ، ويراوده حلم واحد كل ليله ... بأنه يحتضن حبيبته صاحبة الحذاء الزجاجي على شاطئ البحر ، وبدا الأمير يتحول إلى عاشق فبدأ يعبر الطرقات بحثاً عن حبه ، وبات ليال كثيرة على شاطئ البحر يعبث بحلمه 

وفي يوم لم يعد الأمير إلى قصره بل راح يعيش بين فقراء مدينته هؤلاء الذين لم يعرفهم طوال حياته السابقة ، وهو اليوم اصبح احدهم ، جاع مثلهم ، وعانى البرد ، ونام في الطرقات ، بل تسول مثلهم ، يا للعجب فقراء يتسولون من بعضهم البعض حتى يبقون على قيد الحياة بمساعدة بعضهم ... من ذلك اليوم لم يعد الأمير أميرا ولم يرجع لقصره أبداً

وذات يوم عبر الأمير ناحية السوق في ثيابه الرثة حتى اقترب من المرأة العمياء وشاهدها هي وأطفالها ، بكى الأمير لما يراه ومد يده في جيبه فلم يجد أية نقود ، اسرع الأمير للسوق وقضى يومه فى حمل الأغراض للمتسوقين حتى جمع مبلغاً ضئيلاً ، اشترى به طعام وعاد للمرأة وأطفالها فأعطاهم الطعام ... في ذلك اليوم نام هو بدون طعام ، لكنه نام بضمير مرتاح نوماً لم يهنأ به يوماً ، واصبح هذا مشواره اليومي ونذر نفسه لهدف سام ... ان ينقذ هؤلاء 

بعد اسابيع ضعف الأمير وأصابه الهزال ، فهو لم يعتد مشوار الشقاء هذا ، ولم يكن ليحصل على طعام كاف ، ولما احس الأمير أنه على وشك الموت ، فضل ان يموت على شاطئ البحر حيث يقبع حلمه ، فذهب للشاطئ واستلقى هناك ينتظر قدره ، ولكنه ينتظره وهو سعيد أنه أنقذ أرواحاً بريئة 

في ذلك اليوم جاءت فتاة فقيرة ناحية البحر تبحث عن الرجل الذي يساعد المرأة العمياء ، لما اخبرتها المرأة بقصته وبأنه مريض ... جاءت لتمرضه حتى تسعد قلب المرأة وتحفظ لهم من يعولهم ، وعندما وجدته كان ضعيفا شاحبا يرتعد من البرد  ، لم تعرف الفتاة الأمير ، كانت الفتاة هي سندريلا والتى لم يعرفها الأمير فى ثياب الفقراء ومعيشة الفقراء

كان الأمير مريضا ولم تكن لتملك اموال حتى تذهب به للطبيب أو تأتيه بطعام ، ذهب الفتاة للحانة التى باعت فيها حذائها وقابلت ذات الراقصة ... في هذه المرة باعت لها شعرها بعد أن قصته  ... يالله كم انت طيبة القلب يا سندريلا  ... وذهبت بالطبيب حيث تركت الأمير وراحت تمرضه واستأجرت له مكانا فى غرفة خشبيه مع بعض المشردين وراحت تقضى الليالي على علاجه ، ولما افاق الأمير لم يعرفها ولكنها عرفته ودق قلبها بشدة فى ذلك اليوم 

ولما حكى لها الأمير عن قصته بكت بكاءً شديداً ، ولكن الأمير في ذلك اليوم اعترف لها أنه نسي الفتاة صاحبة الحذاء ، فقد كان حبها هي ينمو في قلبه كل يوم حتى صار كالشلال الهادر ذلك حين ادرك بأنها تنتمي له فهى جزء منه بحث عنه طويلاً ... بكت الفتاة واحتضنته وهى تقبل كل جزء فى وجهه ، حدث ذلك  .. على شاطئ البحر 

لما عرف الأمير أنها الفتاة صاحبة الحذاء سقط مغشياً عليه من العشق ، ولما أفاق قبلها قبلة الحياة ودفن فى حضنها كل آلام ايام الفقر والبرد التى مرت به ، واخيراً عاد الجزء المفقود للجسد فالتأم وصارا واحداً ... منذ ذلك اليوم لم يعد الأمير لقصره بل تزوج الفتاة واصبح يعمل حمالا في السوق ليعول زوجته والمرأة العمياء وأطفالها 

يقول الحكيم يا ولدى ذلك هو الحب ... نظل لسنوات نبحث عن روحنا الأخرى فى دروب الحياة  ... ومن يجدها لا يحتاج ساعتها سوى للقيمات كي تبقيه على قيد الحياة حتى يأتى نهر الحب فى كل يوم ليرتوى منه .. ذلك هو العطاء عندما يكون خالصا يرتد على صاحبه فالله دائما كريم يعطى من منح ويجود عليه بكل كرم








هناك تعليق واحد:

  1. ولااجد من الكلمات مايعبر عن عظيم امتنانى بمعايشة روياتك
    وكأننى احدى ابطالها ربما كنت تلك الفتاة الفقيرة فى احدى المرات الفارق انى غادرت الحب بارداتى لان الامير ظل أميرا فأبت كرامتى ألا تكتمل الرواية
    وماأخشاه الان ان أكون تلك المرأة العمياء ببصيرتى
    اشكرك فقد كنت بحاجة لاستعادة لقطة من شريط الذكريات لعلها تكون بمثابة صدمة كهربائية فى محاولة لتنشيط قلب بات على وشك الاحتضار بعد أن ألم به التعب وأنهكته الآلام

    ردحذف