إخناتون الملك المارق وفنون التغيير

الملك المارق وفنون التغيير

فى كتاب قصة الحضارة فى الجزء الخاص بمصر فى نشأت الحضارة ، جاءت قصة الملك المارق

في عام 1380 ق.م مات أمنحوتب الثالث الذي خلف تحتمس الثالث على عرش مصر بعد حياة حافلة بالعظمة والنعيم الدنيوي، وخلفه ابنه أمنحوتب الرابع الذي شاءت الأقدار أن يعرف باسم إخناتون

أمنحتوب الرابع كان شاعراً شاءت الأقدار أن تجعل منه ملكاً من هذا المنطلق بدأت الموضوع فمرسي ايضاً وجد نفسه رئيساً على غير موعد ، والعاقل من اتعظ بدروس التاريخ ، لذا وجدت انه الواجب رفع درس فترة أمنحتب الرابع - إخناتون - حتى ننظر المشترك بين الفترتين ... إخناتون - مرسي

لم تولى الملك أمنحتب الرابع بعد أبيه ثار على دين آمون وعلى الأساليب التي يتبعها كهنته - الفلول - . فقد كان الهيكل العظيم بالكرنك طائفة كبيرة من النساء يتخذن سراري لآمون في الظاهر، وليستمتع بهن الكهنة في الحقيقة

وكان الملك الشاب في حياته الخاصة مثالاً للطهر والأمانة -كذلك مرسي ولا أزكي على الله أحداً -، فلم يرضه هذا العهر المقدس - عهرنا ليس مختلفاً كثيراً فهو عهر عهد الإنفتاح وعهد الخصخصة وفساد القيم وارتفاع قيمة المادة وفساد طبقة النخبة والعهر على عهد إخناتون هو عهر قائم أيضاً على فساد خلقي لطبقة النخبة -؛ وكانت رائحة دم الكبش الذي يقدم قرباناً لآمون كريهة نتنة في خياشيمه كما كان اتجار الكهنة في السحر والرقى، واستخدامهم نبوءات آمون للضغط على الأفكار باسم الدين، ولنشر الفساد السياسي ، مما تعافه نفسه، فثار على ذلك كله ثورة عنيفة

وقال في هذا: "إن أقوال الكهنة لأشد إثماً من كل ما سمعت حتى السنة الرابعة (من حكمه)؛ وهي أشد إثماً مما سمعه الملك أمنحوتب الثالث"(260)، وثارت روحه الفتية على الفساد الذي تدهور إليه دين شعبه، وكره المال الحرام والمراسم المترفة التي كانت تملأ الهياكل، وأحفظه ما كان لطائفة الكهنة المرتزقة من سيطرة على حياة الأمة. ثار الرجل على هذا كله ثورة الشعراء، فلم يقبل تراضياً ولم يقنع بأنصاف الحلول، وأعلن في شجاعة أن هاتيك الآلهة وجميع ما في الدين من احتفالات وطقوس كلها وثنية منحطة، وأن ليس للعالم إلا إله واحد هو- آتون



----------------------------------------------------------------------------------------------------------
منهج الحكم عند إخناتون

مازلنا نقرأ فى كتاب قصة الحضارة - نشأة الحضارة لويل ديورانت حيث يقول

ومن مآسي التاريخ أن إخناتون بعد أن حقق حلمه العظيم حلم الوحدانية العامة التي سمت بالبشرية إلى الدرجات العُلى لم يترك ما في دينه الجديد من صفات نبيلة يسري في قلوب الناس ويستميلها إليه على مهل ، بل عجز عن أن يفكر في الحقائق التي جاء بها تفكيراً يتناسب مع الواقع. لقد خال أن كل دين وكل عبادة عدا عقيدته وعبادته فحش وضلال لا يطاق. 

هنا نقف لنفكر هل سيتعاطى مرسى نفس التفكير أم لا ... ولننظر ماذا كانت نتائج تفكير إخناتون هذا

فأصدر أمره على حين غفلة بأن تمحى من جميع النقوش العامة أسماء الآلهة كلها إلا اسم آتون، وشوه اسم أبيه بأن محا كلمة آمون من مئات الآثار 

هنا أيضاً نقف لنتأمل ولننظر أننا نكرر نفس الفعل ونعيد تكراره بدون يأس ، نمحو صورة الملك وذكره ، نمحو اسم محمد نجيب من كل مكان ثم الآن نعيد نفس العمل مع مبارك 

وحرم كل دين غير دينه، وأمر أن تغلق جميع الهياكل القديمة. وغادر طيبة لأنها مدينة نجسة، وأنشأ له عاصمة جديدة جميلة في إخناتون "مدينة أفق آتون". وما لبثت طيبة أن تدهورت بعد أن أخرجت منها دور الحكومة- وخسرت رواتب الموظفين، وأضحت إخناتون حاضرة غنية أقيمت فيها المباني الجديدة
هنا يجب ان نقف ونتأمل هل إغلاق اكثر من 3000 مصنع وبيع خطوط انتاج لم تعمل بعد وبقيمة أقل من 15% من تكلفتها وعدم نشر تلك الإعلانات فى مصر بل فى دبي وفي لندن ... هل يعنى ذلك شيئاً ما 

ونهض الفن بعد أن تحرر من أغلال الكهنة والتقاليد. ولقد كشف السير وليم فلندرز بيتري في تل العمارنة- وهي قرية حديثة أنشئت في موقع إخناتون القديمة- طواراً جميلاً تزينه صور الطيور، والسمك وغيرهما من الحيوانات، رسمت كلها أدق رسم وأجمله. ولم يفرض إخناتون على الفن قيوداً بل كل ما فعله من هذا القبيل أن حرم على الفنانين أن يرسموا صوراً لآتون، لأن الإله الحق في اعتقاده لا صورة له، وما أسمى هذه من عقيدة. ثم ترك الفن بعدئذ حراً طليقاً، عدا شيئا واحداً آخر، وهو أنه طلب إلى فنانيه: بِك، وأوتا، ونتموز، أن يمثلوا الأشياء كما يرونها، وأن يغفلوا العرف الذي جرى عليه الكهنة. وصدع هؤلاء بأمره، وصوروه هو نفسه في صورة شاب ذي وجه ظريف رقيق رقة تكاد تبلغ حد الوجل، ورأس مستطيل مسرف في الطول، واسترشدوا في تصويرهم بعقيدته الحيوية في إلهه، فصوروا كل الكائنات الحية نباتية كانت أو حيوانية في تفصيل ينم عن حب وعطف عظيمين، ودقة لا تسمو عليها دقة
نرى من هذا الجزء أن بالرغم من تدين إخناتون إلا أنه حض على الفن ... بعد وضعه فى اطار سليم ... ماذا سيفعل مرسى مع الفن والعلوم الجمالية والأدبية والسياحة 

----------------------------------------------------------------------------------------------------------

منهج الحكم عند إخناتون
2


مازلنا مع إخناتون وهو يخطو أول خطواته بعد أن جلس على عرش مصر ، ولا اعرف حقيقة أن كان قام بكل تلك الخطب التى قام بها مرسي أم لا بل ما أجزم به تشابه الإثنين أو لأكن أكثر دقة فأقول تطابق الإثنين فى الأسلوب ، فكلاهما لم يرى نفسه فى الحكم وكلاهما جاء بخلفية دينية وإيدلوجيات جد مختلفة عن الواقع على الأرض وكلاهما جاء وبهدف تغيير الواقع لواقع آخر من منظوره هو وهو فقط يراه ... وكلاهما بدأ حكمه بالخطابة وبالكلمات الرنانة فقط

وحتى نعرف مدى اقتراب الإثنين لننظر كيف بدأ إخناتون عهده أيضا بالخطابة ، فألف أغان حماسية فى آتون الإله الجديد وأستعان بالترانيم القديمة والقصائد - هكذا مرسي في أول خطبه استعان بمقولات الخلفاء الراشدين - ولنقرأ لإخناتون يقول

ما أجمل مطلعك في أفق السماء
أي آتون الحي، مبدأ الحياة
فإذا ما أشرقت في الأفق الشرقي
ملأت الأرض كلها بجمالك
إنك جميل، عظيم، براق، عال فوق كل الرؤوس
أشعتك تحيط بالأرض، بل بكل ما صنعت
إنك أنت رِى، وأنت تسوقها كلها أسير
وإنك لتربطها جميعاً برباط حبك


ولكن لنكن أكثر واقعية ... فقد ورث إخناتون إمبراطورية مصرية من الفرات شرقاً إلى الصحراء الليبية غرباً ، ومن شمال حدود سوريا إلى بلادبونت وهي الصومال جنوباً ، في حين ورث مرسى وضعاً مهترءً ودولة فقيرة وعجز فى الموازنة يكاد يفتك بالبلد وحالة تردي خلقى ومجتمعى شديدة

فأين وصلت مصر فى عهد إخناتون ... لننتظر وسنرى 


----------------------------------------------------------------------------------------------------------
إيدولوجية إخناتون .. مرسي

لنتعرف على إيدولجيات كليهما والتشابه بينهما لنستعين بكلام الإثنين حتى نستطيع الحكم على القرارات التى اتخذها كلاهما أو التى سيتخذها مرسي مستقبلاً ولنبدأ بإخناتون وذلك من خلال النصوص المدونة فى تل العمارنه والذي دونها جيمس هنرى برستد فى كتاب فجر الضمير


يا مذكرى بالأبديه
وحجتى في إدراك الأبدية
يامن سوى نفسه بنفسه
إنك صانع مصور لنفسك بنفسك
و مصور دون أن تصور
منقطع القرين في صفاته مخترق الأبديه
مرشد الملايين إلى السبل
وعندما تقلع في عرض السماء يشاهدك كل البشر
انت خالق الكل وتمنحهم قوتك
انت ام نافعه للآلهه والبشر
وانت صانع مجرب
و راع شجاع يسوق ماشيته
و انت ملجؤها ومانحها قوتها
هو الذي يرى ما خلق
و السيد الاحد الذي يأخذ كل الاراضى اسرى كل يوم
بصفته واحد يشاهد من عليها
مضئ في السماء وكائن كالشمس
وهو يخلق الفصول والشهور
و كل البلاد في فرح عند بزوغه كل يوم..لكى تسبح له

لنذهب ونقرأ فى خطب مرسي قليلاً وخاصة خطاب التحرير

"قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون"
شعب مصر العظيم أيها الفرحون اليوم والمحتفلون بعيد الديمقراطية في مصر أيها الواقفون في الميادين في ميدان التحرير وفي كل ميادين مصر أحبائي أهلي وعشيرتي
.
.
أيها الاخوة أهل مصر لقد حملتموني أمانه المسئولية الثقيلة أقول لكم جميعا لقد -بفضل الله ثم بإرادتكم وليت عليكم - ولست بخيركم وانني سأبذل كل جهدي للوفاء بالإلتزامات والتعهدات التي قطعتها على نفسي أمامكم جميعا.. مصر للمصريين، جميعا متساوون في الحقوق والواجبات تجاه هذه الوطن
.
.
أما عن نفسي فليس لي حقوق ولكن علي واجبات، فأعينوني أهلي وعشيريت، أعينوي ما أقمت العدل والحق فيكم وما أطعت الله فيكم فإن لم افعل وعصيت الله ولم ألتزم بما وعدت فلا طاعة لي عليكم
.
.
أردد مؤكدا ما أعلنته من قبل انني لن أخون الله فيكم ولن أعصيه في وطني وأضع أمام عيني قول الله تعالى " اتقوا يوم ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون"

------------------

أنتهى إلا القول بأن الإثنيين قد بدءا حكمهما بتوجه ديني بحت وإن اختلفت التفاصيل كثيرا لإختلاف الظروف والعوامل المتداخلة ، ولكن الأهداف الذي تبناها الإثنان كانت أهداف أنطلقت من رؤية دينية بحتة


----------------------------------------------------------------------------------------------------------
التغييــــر

فى قصة الحضارة يكتب ويل ديورانت : لو أن إخناتون كان ذا عقل ناضج لأدرك أن ما يريده من خروج على تعدد الآلهة القديم المتأصل في عادات الناس وحاجاتهم، إلى وحدانية فطرية تخضع الخيال للعقل، لأدرك أن هذا تغيير أكثر من أن يتم في زمن قصيرة؛ وإذن لسار في عمله على مهل وخفف من حدة الانتقال بأن جعله على مراحل تدريجية

ولكنه كان شاعراً لا فيلسوفاً، فاستمسك بالحقيقة المطلقة فتصدع بذلك جميع بناء مصر وانهار على أم رأسه ، ذلك أنه ضرب ضربة واحدة جرد بها طائفة غنية قوية من ثرائها فأغضبها عليه، وحرم عبادة الآلهة التي جعلتها العقيدة والتقاليد عزيزة على الناس. ولما أن محا لفظ آمون من اسم أبيه خيل إلى الناس أن هذا العمل زيغ وضلال، إذ لم يكن شيء أعز عليهم من تعظيم الموتى من أسلافهم. وما من شك في أن إخناتون قد استخف بقوة الكهنة وعنادهم، وتغالي في قدرة الشعب على فهم الدين الفطري. وقام الكهنة من وراء الستار يأتمرون ويتأهبون، وظل الناس في دورهم وعزلتهم يعبدون آلهتهم القديمة المتعددة. وزاد الطين بلة أن مئات الحرف التي لم تكن لها حياة إلا على حساب الهياكل أخذت تزمجر في السر غضباً على الملك الزنديق، بل إن وزرائه وقواده بين جدران قصوره كانوا يحقدون عليه ويتمنون موته

تعليق
--------
هذا الجزء هو درس يجب أن يقرأه مرسى بعين حكيمة فإخناتون تمسك بالحقيقة التى يقتنع بها وعادى الآخرون ، جرد الأغنياء من أموالهم ولم يحترم قوتهم وبذلك كانت ثورتهم المضادة عليه قوية ، لم يتصل بالناس ويعلم ما يحدث على الأرض ، فالناس ظلت على نظامهم القديم كما نحن ما زلنا نعيش فى نفس النظام من الغش والرشوة والفساد ، عطل عمل الكثيرورن ، وكذلك لو لم يتأن مرسى في قراراته سيحدث فى البنوك والسياحة والفن والإعلام والرسم وغيرها من الصناعات والمهن


----------------------------------------------------------------------------------------------------------

نتائج التغيير على خلفية إيدلوجية


جاءت الرسائل المروعة من الشام تنغص على الملك هذه السعادة الساذجة البريئة ، فقد غزا الحيثيون وغيرهم من القبائل المجاورة لهم البلاد التابعة لمصر في الشرق الأدنى

أخذ الحكام المعيَّنون من قِبَل مصر يلحون في طلب النجدة العاجلة

تردد إخناتون في الأمر؛ ذلك أنه لم يكن على ثقة من أن حق الفتح يبرر إخضاع هذه الولايات لحكم مصر؛ وكان يكره أن يرسل المصريين ليهلكوا في ميادين القتال البعيدة دفاعاً عن قضية لا يثق بعدالتها

ولما رأت الولايات أنها لا تطلب النجدة من ملك حاكم بل تطلبها من ولي صالح، خلعت حكامها المصريين، وامتنعت في غير جلبة عن أداء شيء من الخراج، وأصبحت حرة مستقلة في جميع شؤونها

ولم يمض من الزمن إلا أقصاه حتى خسرت مصر إمبراطوريتها الواسعة، وانكمشت حتى عادت دولة صغيرة ضيقة الرقعة

سرعان ما أقفرت الخزانة المصرية التي ظلت قرناً كاملاً تعتمد أكثر ما تعتمد على ما يأتيها من الجزية الخارجية. ونقصت الضرائب المحلية إلى أقصى حد، ووقف العمل في مناجم الذهب، وعمت الفوضى في جميع فروع الإدارة الداخلية. وألفا إخناتون نفسه فقيراً لا صديق له ولا معين في عالم كان يخيل إليه من قبل أنه كله ملك له. واندلع لهيب الثورة في جميع الولايات التي كانت تابعة لمصر وقامت جميع القوى الداخلية في وجهه تناوئه وتترقب سقوطه

ولم يكد يتم الثلاثين من عمره حتى توفي في عام 1362 ق.م محطم القلب بعد أن أدرك عجزه عن أن يكون مَلِكاً وأيقن أن شعبه غير جدير به
----------------------------------------------------------------------------------------------------------
 

تعليق

إخناتون المتدين وجد نفسه ملكاً ... مرسى المتدين وجدا نفسه رئيساً
إخناتون إيدولجيته كانت تخالف العرف الجارى فى مجتمعه ... وهكذا مرسي نوعاً ما
ما كان يتوجب على إخناتون فعله حتى تنجح ثورته فى تغيير المجتمع؟
إخناتون طبق تغييرا على مستوى لدولة أدى لتفككها وغزوها من أعدائها ... فماذا سيفعل مرسى؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق