الدار


الحلقة الأولــــــــــــى 
لم أكن أنتوى

 صراخ تردد في جنبات الدار بعد أن قالها كبير العائلة التى تسكن الدار في قريتنا وهو الشيخ الهرم، قالها وهو يصرخ من أعلى الشرفة ، فيما أهل الدار منقسمون على أنفسهم ، فتارة يتشاتمون وتارة تقوم المعارك ، وتارة اخرى يسقط القتلى ، كل ذلك وهو يشاهد المعركة التي تدور رحاها من شرفته وكل أمله ان تهدأ الحشود ويعود الصفو حتى يهنأ بأواخر أيامه ويعيشها في هدوء وسكينة ... تلك هي أمانيه ولكنه اخترق بذلك مواثيق السماء التى أخبرت ان الدماء ثمنها الدماء ولما فتح هذا الباب صار مسؤولاً عما يجري على الأرض وصار دماء شباب الدار ديناً وجب عليه دفعه ، ولو بعد حين

 المشهد داخل الدار أقرب ما يكون الآن لساحة معركة بل بالفعل هي كذلك ، وكبير العائله نجح كبار العائله في أقناعه بالتوارى عن الأنظار وإختيار احدهم مكانه حتى تهدأ الجموع المطالبة بالقصاص منه لدماء الشباب التي سالت على ارض الدار ،  وبعد تردد ومحاولات منه لتهدأة الجموع أزعن ولكن إشترط في مقابل ذلك أن يخصصوا له غرفة فوق سطح الدار حيث اقام ركنه المزخرف من قبل ، وأن يقوموا على خدمته حتى يحين موعد أجله ... وافق كبار العائلة على طلبه وكان له ما اراد هو وأولاده

 اجتمع كبار العائلة لتحديد طريقة التعامل مع الموقف الآن بعد أن تصدروا هم المشهد

 لما قال أكبرهم ... الله على الثورة ... أمطرت قلوبنا بثلج وأوجدت مخرجاُ لما كان ينوي الشيخ الهرم فعله بنا من تولية أبنه علينا ونحن الذين بذلنا دمائنا لتدعيم جدران الدار وضحينا حتى نقيمها ، فإذا ما صارت كالقصر أراد توريثها لإبنيه ... صاح الحضور فعلاً هي ثورة مباركة وحققت أهدافنا ، وقف أحد الحضور قائلاً الآن يجب أن ننتقل إلى مرحلة التهدأة حتى نعود إلى طريقنا الأول ، فما الرأى وتلك الحشود الهادرة قد تفتك بنا أو قد تسقط جدران دارنا فوق رؤوسهم ورؤوسنا أجمعين

 قام أصغرهم وقال نحن بحاجة لوقت حتى تهدأ المشاعر وبحاجة لقنوات تصريف حتى نوجه تلك القوى في مصارف مختلفة فلا تضحو كشلال هادر يجرفنا في طريقه وبحاجه لخطة إلهاء حتى يتسنى لنا شغل الجموع عن الطلب الرئيسيى بمطالب فرعية ، ومع الوقت يُنسى الطلب الرئيسي ، وعهدنا بأهل الدار انهم سرعان ما ينسون ويعودون سيرتهم الأولى ، ونحن أعلم بهم من أنفسهم فهم طوال اليوم يرورحون ويجيئون في طرقات الدار بلا عائد من ورائهم ونحن نقدم لهم الغذء والدواء والكساء فقط لنبقيهم ليرعوا احتياجات الدار ... وموضعهم اسفل الدار فلا لهم صعود ولا لنا نزول وقديما هدم الشيخ الهرم السلم الذي اقامه جده ، حتى لا يجروء احدهم على نزاع عِليَةَ القوم احدى الغرف بأعلى الدار ، واقام مكانه حبلاً حتى إذا ما اراد انتشال احدهم انزله له فيتعلق به وقد يقذفه من اعلى الشرفه الى أسفل لو ساء أدبه

 أومأ أكبرهم سناً برأسه وقال نعم الرأي فلنختر أحد رجالنا ولنقذفه داخل الجموع ولندعمه من قبل رجالنا هناك حتى يترأس الحشود بذلك سيهدأون لبعض الوقت ولنكمل باقي الخطة بطريقتنا ونكون قد امتلكنا زمام المبادرة ولكن يجب اولا أن نخرج لهم لنعلن اننا معه وان ثورتهم ثورتنا واننا لها شاكرون فهذا سيسحر أعينهم وافئدتهم عن ما نخطط له
---------------------------------


الحلقة الثانية
الخديعـــــة

 اجتمع كبار الدار مع رجلهم المختار لمرحلة الإمتصاص ، والذي إختاروه ليخاطب قلوب الجموع وصمموا له مواقف تدغدغ المشاعر وتريق دموع الجموع الهادرة ، وحددت مهمته بشكل كامل واجتمعوا به لتحديد خطة العمال والمهام وطريقة التعاون 

 قال كبير الحضور ، يا عزيزي إعلم انك لنا عاصم ونحن بك معصومون من غضب الجموع واعلم انك شريف مثلنا تنتمى لأعلى الدار وهؤلاء الجموع هم الغوغاء الذين لو تركوا لهدموا الدار التى بذلنا دمائنا من اجل حمايتها ورفع جدرانها ، فكن لنا درعاً تدرأ به عنا غضبهم وليكن سلاحك هو ضعفك ، ولتكن ضربتك موجهة إلى قلوبهم بشكل مباشر فنحن نرى أن تسيل دموعهم في طرقات الدار أرحم من أن تسيل دمائهم على أيدينا فنحن لن نترك مجد أجدادنا لهؤلاء ولا تضحياتنا ليدنسها هؤلاء ولا دارنا ليخربها هؤلاء الذين ليس لهم رابط ولا لهم قوة على الإلتزام بنظام ولا تحمل المسئولية

 وافق رجل المرحلة على رأي الكبير وهمهم الحضور بالموافقة كذلك وبعد ان انتهى النقاش إستأذن الرجل في بدء مهمته ، وإنطلق إلى ساحة الدار وسط الحشود صائحاً 
 اليوم يوم الشعب شعب الدار ، فليسقط رأس الظلم وليسقط الشيخ الهرم ورأت فيه الجموع صوتاً نبيلاً من علية القوم قرر التخلي عن موقعه أعلى الدار والالتحام بالجموع في تضحية لم يرووا مثلا منذ سنوات ، تحركت القلوب وارتفعت المشاعر وهجم الكثيروون على الرجل فقبلوه وحملوه فوق الأعناق صارخين جاء الشرفاء ، جاء الشرفاء ، وطافوا به أرجاء الساحة ، واجتمع الجميع حوله ليقودهم

 نظر كبا ر القوم من الشرفة وخطبوا في الجموع ، نحن معكم وطلباتكم في قلوبنا قبل أعيننا وسنبدأ بتنفيذها واولها تسليم الدار لرجلكم المختار فهنيئاً لكم شعب الدار برجلكم وهنيئاً لنا بثورتنا المباركة ولنتوكل على بركة الله ، وانزلو الحبل ورفعوا المختار إلى أعلى الدار وخطب في الناس قائلا هذا هو وعد شرف مني بينى وبينكم شرفة لا اغلقها أبداً وكل مطالبكم هي مطالبي وسأقتل من أجلها أو أحققها لكم ، انا منكم وبكم ضعيفكم قوي عندي ، وقويكم ضعيف عندي ، والمجد لكم اهل الدار ، أنتم أصحابها وانتم من جئتم بي إلى موقعي هذا ، فأنا خادمكم ، بكت الجموع وارتفعت الأناشيد ... سنبنى الدار ، يا أيها المختار ، سنرفعاها إلى العلا ، سنهديها كل المنى ، فالدار دارنا ، فالدار دارنا

 خاطبهم المختار قائلاً .. إنطلقوا على بركة الله عودوا إلى أعمالكم ، لندير عجلة الإنتاج ، لنبنى مجد الدار 

 إنصرفت الجموع واحلامهم لا تحدها حدود وقلوبهم مفعمة بالأمل ... الأمل الذي رُسم لهم من قبل كبار الدار


--------------------------------------


الحلقة الثالثة
إستراتيجية الفشل

 بدأ المختار تطبيق خطة الإمتصاص  وبدأ كبار القوم يلتقطون الأنفاس ، وأنتظرت الجموع تحقيق الأهداف التى نادوا بها أول يوم ، عيش حرية كرامة ، ومرت الأيام سراعاً كان خلالها كبار الدار يعقدون اجتماعت يومية للإنتهاء من رتوش خطة الفشل العظمى ، لا تستعجب الأمر ، فهم قسموا الثورة لقسمين أهدافنا وأهدافهم ، تحققت أهدافنا بنجاح منقطع النظير وبقي ان نحافظ على الدار وبناءها كما هو ، ولفعل ذلك لنخطط لفشل تحقق أهدافهم الرامية لهدم الدار فوق رؤوس الجميع ، فكانت إستراتيجية الفشل ، هي طريقهم لذلك ، قامت الإستراتيجية على تفريق الجموع لجهات متضادة ومن خلال رفع بعضهم إلى أعلى الدار مع علية القوم حتى يحدث الصدع بينهم وبين الجموع وبعد ذلك بدأ تقسيم الجموع لجماعات صغيرة يمكن السيطرة عليها ، وفتح الباب الخلفي للدار لدخول اللصوص وقطاع الطرق المأجورين لإشاعة الخوف في ساحة الدار فيتفرق أكثر الجموع لحماية انفسهم وأهلهم واما ما تبقي فيمكن التعامل مع قادتهم بأي طريقة كانت

 ترى من نختار ليكون القسم المقرب لنا ونستخدمه لإحداث الصدع؟ تسائل الحضور في اجتماع كبار الدار ، صاح احدهم إذا اردنا احداث اكبر صدع ممكن ، فلنختر اكبر فئة ممكنة ونقربها ونمنيها وبذلك نكون قد شققنا الجموع لفئتين لا تستطيع احداهما التغلب على الأخرى أو السيطرة عليها، قذف كبيرهم بقطعة من الحلوى له مكافأة على فكرته الشيطانية ، وقال نعم الرأي لنأخذ سكان المسجد إلى جانبنا فيبدو أننا نقيم دولة الله في أرضه ، وبهذا نجذب لنا آخرين ممن غلب ت مشاعرهم الإيمانية قلوبهم ، وبذلك نكون ظل الله على الدار ، قال احدهم لكن سيدى دعني أذكرك بتاريخ هؤلاء ، انهم لن يقنعوا لن غايتهم إسقاط الدار من الأساس وإقامة مسجدا يكونوا هم سكانه والمسيطرين عليه ، حتى لو طردوا كل أهل الدار خارجه ، أجابه الكبير التاريخ لا يجهله غير الأغبياء ومن لم يتعظ به فمصيره الى الهلاك ، نحن سنقربهم بين بين ، علت الهمهمات تتسائل عن ما هو البين بين ، فأجابهم الكبير هدوءاً ، سنقربهم بين قدرة وقلة حيلة ، فتطمعهم قدرتهم على الوصول إلى هدفهم ، وتمسك بأعنة خيولهم قلة حيلتهم ، فلا هم ظفروا ولا كفروا بالوصول ، وبالفعل انزل الحبل لسكان المسجد فارتقوا إلى أعلى الدار ولكن اختير لهم موقع في اقصاها ، لا هم أصبحوا به من علية القوم لا هم حافظوا على صلتهم بالجموع

 وبدأ تنفيذ المخطط وفتحت أبواب الدار الخلفية على كل فساد فكثرت السرقات والإختطاف وقلت المؤن والوقود وانتشرت الحرائق وعاث المأجورون فساداً في ساحة الدار ، وبدأت الجموع تسأم ان يتحقق الهدف فانطلق كل في اتجاه ليحقق هدفه هو الشخصي لأنهم رأووا المرتقين إلى أعلى الدار ، وبدأت خطة الفشل تؤتي ثمارها وبدأ الكثير من الجموع يعودون إلى بيوتهم يلعنون اليوم الذي خرجوا فيه ويندبون حظهم العاثر

 بدى أن الأمر يسير في طريقه غير أن بعض شباب الجموع ممن سقط أصدقائهم أمامهم قرروا عدم الرضوخ وطالبوا بالقصاص مهما كلفهم الأمر ، ارق هؤلاء وضجيجهم وإصراراهم مضج كبار الدار ، فاختاروا رجالاً للتصدي لهم مهما كلف الأمر ، وسقط الشهداء وسالت الدماء مرة أخرى على أرض الدار ، وعندما سكت المرتقون الطامعون عن حق الدماء ، ايقن وقتها كبار الدار ان خطتهم ستنجح ، فانطلقوا إلى أقصى مدى يلقنون رجالهم ان هؤلاء جواسيس وعملاء وكفار وعبدة شيطان وشواذ ... لم تبق نقيصة على الأرض إلا اتهموهم بها لتأجيج مشاعر الغضب لدى الجميع عليهم حتى إذا ما جاء يوم الخلاص منهم لم يتحرك احد لنجدتهم

 غير أن شاء القدر ان يكون معهم هؤلاء الشباب الذين لم يخرجوا لغاية ولا مكسب ... وإنما خرجوا للحق وعلا صوت الحق فصم أسماع كبار الدار ، فأختهم العزة بالأثم فأوعذوا إلى رجالهم ان هؤلاء قوم مجرمون يريدون ان يخربوا الدار فلتجهزوا عليهم مهما كان الثمن ، وكان ما كان ، حادثة العار حين ضربوا الفتاه في ساحة الدار وانهال الرجال عليها ضرباً كضرب العدو المخرب ، ولم لا وهي كما لقنوا مخربة وعميلة وكافرة وعلمانية وشاذة وغيره مما وصف به الصامدون ، واهتزت ارجاء القرية لتلك الحادثة المروعه وأسقط في يد كبار الدار

 قرر كبار الدار التهدئة حتى لا تعود الجموع متوحدة ، وقرروا المضي في عمل مجلس  للدار لمناقشة أموره والمضي قدماً في إختيار شيخ جديد للدار ، ولكن ظل أمام أعينهم وفي عقولهم وقلوبهم ، انهم هم اصحاب الدار ، فهم من اقاموا البناء بدمائهم ، وهم من حموا الأبواب برجالهم ، وبذلوا في سبيل ذلك الكثير ، فقرروا تقديم من يرونه الأولى والأقدر على الحفاظ على ذات الدار بدون الحاجة لهدمه وإعادة بناءه فيخسرون بذلك غرفهم الفخمة في أعلى الدار وقد ينتهي بهم المطاف للسكن أسفل الدار ، وقد تسقط الدار بأكملها ولا تبنى مرة أخرى

-------------------------------------


الحلقة الرابعة
المجذوب

 لما امتلأت ساحة الدار بالدماء من المواجهات كان على كبار الدار أن يجدوا مخرجاً ، لم تفلح محاولات اتهام مطاريد الجبل والجن بعد أن فضحت الكاميرات مشاهد الضرب والسحل وبعد أن تسربت مشاهد التعذيب ، ولما اجتمعوا في مجلسهم لوضع الخطط سمعوا من شرفتهم صوت يصرخ ، هل للدماء من بائع ، هل للجثث من مشتر ، وتجيبه الجموع الهادرة في الساحة صائحة الدم ، الدم ، القصاص القصاص ، أوجل الحضور ونظروا من الشرفة ، لتقع أعينهم على مجذوب الدار وهو يغمس يده في دماء الشباب التي تسيل على الأرض ويخط بها على حوائط الدار وهو يشير للشرفه بأعلى ..... بذلتم دمائكم من أجل الدار .... ونحن بذلنا دمائنا من أجلها ، انتم تريدونها عامرة لتجنوا قطافها ، ونحن نريدها عامرة لنبني مستقبل أبنائنا ... أنتم قتلتمونا ... وأطلقتم المأجورين علينا ... وأشعلتم كل أزمة ... والله راد كيدكم ، فإن لم تتغيروا والله ليغيركم الله ، شئتم أم أبيتم ، ولنحاسبنكم على كل كبير وصغير جرمكم في حق أهل الدار ، وعندها حمله اهل الساحة وصاحوا نحن شيعتك وسنبايعك رئيساً لنا وشيخاً للدار ، وطافوا به أرجاء الدار

 لما علا الصوت الهادر خرج اكبر الحضور سنا من قاطنى الطابق العلوي إلى الشرفة ، ونادى على المجذوب صائحاً ، أيها المجذوب الزم حجمك فمن انتم لتتهمونا بذلك ، انتم خربتم ما بنيناه لسنوات وما بذلنا من أجله دمائنا وما ضحينا من أجله بأرواح الشهداء ، فهل نتركه لمجذوب مثلك حتى تصبح وقد صارت كالمولد ، أين كنت أنت ونحن نتصدى للقرية المجاورة لما دخلت الدار عنوة في غفلة من أهلها ، أين كنت انت ونحن نطوف أرجاءها نعمرها برجالنا واموالنا ، بل اين كنت انت ونحن نحمى بابك من ان ينتهكه قطاع الطرق ، وها انتم رأيتم ما سيحدث لكم لو تركناكم فخلال العام الماضي انهار كل شئ والدار على وشك أن تفلس وتخرب ، فكيف نتركها لكم ، انتم الذين لا تقدرون على حماية أنفسكم ، أنظر حولك كيف ننشر الأمان بأمر واحد فقط وكيف نحيلها لهباً لو تركنا عليكم المأجورين ، انظر كيف اختفى الوقود لما رفعنا أيدينا عنه ، نحن حماتكم ، نرعاكم ونطعمكم ، حتى إذا ما سمنتم من بعد مرض ... أنكرتم جميلنا!! يا له من عار

 أجابه المجذوب صائحاً ، انت وشيخك توليتم الأمر فلم تقوموا به كما يرضي الله ، وانت تمن علينا أنك تقوم بعملك ، نحن نخبرك اننا لسنا بحاجة لك ولتسلم مقاليد الدار انت ومن معك لنا ونحن سنديرها ونبنيها أفضل مما تتصور ، فلا فضل لك علينا ، وما تدفعه للدار ليس بمالك ولم ترثه عن أبيك أو امك ، أنما هو رزق الدار وانت استوليت عليه فزعمت ان هذا لكم جزاء حمايتكم للدار ونسيت يا هذا أن أبناء الدار هم من يحموه بالفعل ,ان رجالك الذين تفتخر بهم هم ابناء الدار وأبناء من يسكنون الساحة والحقول ومقابر الدار  وانهم هم من يدفعون دمائهم ثمناً لحماية الدار في حين تقبعون انتم خلف مكاتبكم المكيفة ، في حين أبنائنا يذوقون الويلات  ، نحن قدمنا فلذات أكبادنا للدار ، فلا تمتن علينا بدماء أبنائنا ، وعنها علت الصيحات في الساحة تطالب بتسليم السلطة لرئيس يختاره أهل الدار 

 تشاور اكابر الدار فيم هم فاعلين بعد ان تفاقم الموقف ، وبعد نقاش حاد قرروا أن يقدموا لشعب الدار السفيه ما يطلب لكن بشكل أجوف ، فالغوغاء لا يفرقون بين الغث والثمين ولا الأجوف والممتلئ ولا الزجاج والعقيق .. فهم رعاع ، لما توصلوا إلى هذا ، عهدوا لمجموعة منهم ان يقوموا بدور القاضي المسئول عن إختيار شيخ الدار الجديد ، وخرجوا على شعب الدار بعد أن جذبوا أهل المسجد المرتقين لهم وأخبروهم بالخبر السار ستختارون شيخ الدار يا شعب الدار الحبيب المهاود وهذه لجنة مشكلة من قضاة عظام ، ولكي تدركوا عدلنا لن نقترب من اللجنه وسنحصنها ضد اي تدخلات منا أو منكم ... فهل ترضون صاحوا ،، قد رضينا ، قد رضينا

 نادى المنادي في الساحة على كل من يرغب في ترشيح نفسه لمشيخة الدار أن يتقدم ، لم يحلم سكان الساحة يوماً قط بذلك فتهافتوا على التقديم وسرعان ما تم تصفيتهم إلى عدة أشخاص فقط هم المؤهلون لمشيخة الدار ، هنا كان على سكان الدور العلوي أن يديروا الأمر بحكمة وذكاء حتى لا يخرج الأمر من أيديهم ويأتي من يجبرهم على ما لا يرغبونه وخاصة وانهم يؤمنون انهم هم أصحاب الدار وليس الغوغاء

--------------------------


الحلقة الخامسة
المائدة المستديرة

 إجتمع أكابر الدار في غرفة الإجتماع المعدة بالطابق العلوى من الدار متحلقين حول مائدة مستديرة ويجلس اكبرهم سناً على كرسي مرتفعاً قليلاً ، كان محور الإجتماع هو رسم ملامح المرحلة القادمة وافتتح الكبير الجلسة  قائلاً،  أيها المقاتلون أتشرف بكوني بينكم واقف في خندقكم ، ورسالتنا الدفاع عن دارنا من هؤلاء العامة والغوغاء سليطي اللسان ، هؤلاء الذين لا يعرفون نظاماً ولا التزاماً ، الدار التى بذلنا ارواح زملائنا ورجالنا من أجل الحفاظ عليها ورفع جدرانها ، اعاهدكم اني معكم على العهد لن أترك هؤلاء الثلة تخرب ما بنينا ، وها نحن نوشك على الوصول إلى نهاية الطريق ، صبرتم معي طوال العام الماضي وصبرتم على سبابكم من كل سفيه ولكن اعلموا انكم تبنون مجدكم ومجد الدار ، فلا تهنوا في مرحلة الحسم ، وها قد دقت ساعة الإنقضاض على احلام هؤلاء المغيبين لنحيلها الى ذكرى اليمة لكل من تمر بخلده ، أشكركم على انضباطكم خلال هذا العام ولنبدأ خطة الحسم من الآن ، فلتتفضلوا بعرض وجهات نظركم

 طلب احد الحضور الكلمة ، فأجابة كبيرهم ، فقام خاطباً سيدي أعلم أننا قدمنا تنازلات كثيرة خلال العام الماضي لإمتصاص روح الثورة من الجموع  الهائجة ، وبالفعل تم تحييد الكثير من الأطراف الفاعلة ، ولكن الوضع اليوم يبدو وكأن النار لم تخمد بعد ، وما تبقى من وقت لا يسمح بعمل مناورارت سياسية جديدة ، وأخشى ما أخشاه أن نتجه للمواجهة بعد ضبط النفس خلال العام الماضي بأكمله وإستغلال أخطاء هؤلاء العامة لننسج بها قيودهم ، فنكون ضيعنا ما انجزناه

 سرت الهمهمات في القاعة ، فطلب منهم الكبير الهدوء وطلب من المتحدث الجلوس ، وتولى هو الكلمة فقال ، أعلم أننا نفذنا الكثير من طلباتهم ولكن نحن كنا نتحرك على منحدر وكان لابد من بعض الحذر كيلا تسقط الدار على رأسنا ورأسهم  وهم الجهال ، ولكن كلها تنازلات فارغة المحتوى ، وتصب في صالحنا في النهاية ، فمثلا عندما طالبوا بالقبض على الشيخ السابق الهرم ، قمنا بالقبض عليه ولكن بالإتفاق معه ولم نهنه فنحن لا نهين رجالنا ولا قادتنا ، وعندما طلبوا محاكمته ، أنظر أوشك العام الثاني عل الإنتصاف هل ترى أي أثر لذلك ، بل على العكس من ذلك جهزنا مسرح ساحة  الدار خلال عام لتبرئته ، واتهام الجهة الثالثة ، ولنا من الشهود الكثير ومن الحوادث والأحكام الأكثر ، بل نحن من الأساس لن نقبل بإهانة أو معاقبة أي رجل كان يحمي نظام هذه الدار وكل من حوكم برئت ساحته ، لأنهم بالفعل كانوا يقومون بعملهم من أجل حماية الدار ، وحماية ما بنيناه فهل يعقل أن نعاقبهم ، وهل سيقبل أي رجل بعد ذلك بالوقوف معنا

 ونظر ناحية الشرفة قائلاً ماذا يا ترى يفعل المجلس المنتخب من قبل هؤلاء .... لا شئ ، انهم طالبوا بهم ليمثلوهم ، ونحن نفذنا ولكن نزعنا مخالبهم ، فهم كالغربان المزعجة ، تصيح طوال اليوم ، ولكن لا امل لها في شئ ، هكذا ندير الأمر وهؤلاء العامة عقولوهم في قلوبهم فما أسهل ان نحركها يميناً ويساراً ، ولعلهم فرحوا وهللوا لإستبعاد رجالنا بقانونهم المعيب ، ولكنا كنا الأدهى ، وافقنا عليه ببساطه لعدم بدء المواجهات في لحظة الهدوء الحاسم ، وتولى رجالنا الباقي فأعادوا رجلنا بكل هدوء قانوناً

 عاد الرجل ببصره إلى الحضور قائلا والآن نحن نسير وفقاً لخطة غطت عامين كاملين ، رسمناها بعناية فائقة ووضعنا كل الإحتمالات الممكنة ، واشركنا الدور المجاورة معنا ، بهدف دعم تلك الدور والسيطرة على الجموع لعدم امتداد الهياج لهذه الدور وهم معنا ننسق كل الأدوار بعناية فائقة ، والآن حان دور وضع رجلنا في مكان الشيخ القديم ، نحن تلاعبنا بالجموع  فقدمنا واخرنا مرشحين حتى نكشف جميع أوراقهم وإختبرنا كل الإتجاهات لنعرف اي درب نسلك ، واللجنة القضائية من شرفائنا ، وصناديق الإقتراع لا يملك احد السيطرة عليها غيرنا ، ولدينا من الأدوات ما يمكننا بسهولة من تحويل أن مرشح من مرشحي المشيخة إلى عميل أو سفيه أو كافر أو مرتشي أو شاذ ، ولا تنسى اننا نعمل بهدوء في الأماكن البعيدة ورجالنا لهم عائلات قادرة على تجميع الأصوات لرجلنا ، فنحن امام مرحلة حاسمة الآن ، تجنبنا التصعيد سابقاً لكي لا نضطر للسيطرة بالقوة ونحن قادرون على ذلك فظهرنا بمظهر الشرفاء ، وحتى حين سقط القتلى من العامة ، تولوا هم بأنفسهم إيجاد المبررات لقتلهم وعميت أعينهم عنا ، هل هناك نجاح أكبر من هذا ، بل لما سقط الشيخ الشاب هم بأنفسهم تولوا ايجاد أسباب لقتله ومن قتله

 وعلى كل نحن نحتفظ بكل أوراق اللعبة ولا تنسى الساحة الشرقية من الدار ودعوات الإستقلال عن الدار ، في وقت ما قد نلجأ إلى فرض القوة لحفظ الدار لو خرجت الأمور عن سيطرة رجالنا .. ولكنى افضل المضي قدماً في خطة الحسم الهادئ

 أومأ الحضور إيجاباً وانتقلوا لمناقشة تفاصيل الخطة الرامية لوضع رجلهم مكان الشيخ الهرم القابع في غرفة انيقة بالدار ويقوم على رعايته أفضل الخدم مرفهاً كما اتفق معهم حتى يحين أجله

----------------------------------


الحلقة السادسة
البئر المقدسة

 اقترب موعد إختيار شيخ الدار الجديد ، وبدأ كبار الدار في تنفيذ خطة الحسم الهادئ كما أسموها ، كانت الخطة تقوم على وضع مرشحين لهم في بؤرة الحدث لتصب عليهم الجموع غضبها وفي أثناء ذلك يقبع آخر في الظل يعمل في صمت لتجميع أهل الدار حوله ، وفي لحظة ما قبل خط النهاية يكون الهجوم المباغت على الجميع بأمر ما ، يحول العملية برمتها في إتجاهه محدد سابقاً

 نجحت الخطط السابقة في أقصاء الغريب الذي رجع إلى الدار بعد سنوات من العمل في القرية البعيدة ، رجع عندما وصل إليه حال الجموع ، رجع وكان همه أن يلقنهم ما تعلم في القرية البعيدة من أدوات تجمعهم ليرتقوا بالدار كلها وليس بأفرادها فقط ، ولكن هذا كان الخطر الأعظم والذي تعامل معه الكبار بقوة وبشكل مباشر ، فتولى البصاصين كشف ستر بيته وراح المأجورين يطوفون ممرات وطرقات الساحة ليحكوا عنه الحكايات ويعرضوا صوره وصور أسرته ، وكان هدفهم العامة أولاً لأن العامة عقولهم في آذنهم ، حتى إذا ما غضبوا تركوهم ليكملوا هم الباقي ، فهجم العامة على الغريب وقذفوا في قلبه الرعب فعاد من حيث آتي وهو مكسور الفؤاد الا يقدر أن يفيد الدار في تلك الظروف العصيبة ، وإن لم يقدم لها ما يعلمه الآن فمتى سيقدمه ، كان خروج الغريب من المشهد اكثر ما اسعد كبار الدار قاطني الطابق العلوي ، لأنه لم يكن منهم ولا شريف مثلهم ، ولكنه ارتقي في الدار البعيدة القاطنة في القرية النائية حيث ارتحل وعلم خبايا تلك الطبقة وعلم كيف يتعامل معها ، لذلك حرصوا اكثر ما حرصوا على إقصاءه أولاً

 وذات يوم والجموع تصرخ في الساحة ، جاء من اقصى الدار شاب يجري وعلى وجهه علامات الذعر ، صائحاً ، يا أهل الدار أنقذوا خيلكم ، وسقط مغشياً عليه على الأرض والتفت حوله الناس ولما افاق قال إنه كان في الطريق الشرقي متجهاً إلى البئر المقدسة لما شاهد عمال راعي البئر يخطفون حصانهم الأبيض  ويحبسوه فى مزرعتهم  وهنا صرخ صارخ فى الجموع كيف لنا ان تهنأ حياتنا وقد استباح راعي البئر خيلنا ، اليس بكم من مروءة ، اليس بكم من قوة ، كيف نثور على كبار الدار ونترك خيلنا هكذا لتهدر كرامتها وتخطف وتسجن وتعذب ، اليس هذا هو الحصان الذي لطالما حملكم ، ولما هجم رجال كبار الدار عليكم ، كان يدافع عنكم بحوافره ويحملكم على ظهره ، والله لا دار لكم ولا كرامة لكم لو تركتم خيولكم لتعامل هكذا

 اثارت الخطبة حمية الجموع فانطلقوا في كل مكان وهم ثائرون لا يدرون كيف التصرف مع هذا الأمر وفي وسط ذلك اللغط قام فيهم رجل وقال صاراخاً إلى بيت راعي البئر ، سنهدمها فوق رأس اهله ، وكان لراعي البئر بيت صغير في داخل الدار يعيش فيه بعض نفر من أهله ، وكانوا ايضا يلبون رغبة أهل الدار عندما يريدون ان يذهبوا للبئر للإغتسال والتطهر هناك ، حيث كان لهذا البئر المقدس مكانة مرتفعة لا تنافسها مكانة في قلوب اكثر أهل الدار وكانوا يحرصون على زيارته كل عام ويطوفون به ويغتسلون عنده ويتطهرون

 لما احاطت الجموع بالدار اختلطت المشاعر ، مشاعر حب لأهل الدار ومشاعر غضب من هول ما حدث ومشاعر الرغبة في الثأر ، كان الموقف هنا أقرب ما يكون لوعاء طبخ يغلي وبه بعض اجزاء تفور وأخرى ملتهبة ويكفي حجر واحد ليقذف على الوعاء لينسكب ما فيه فيحرق الجميع ، وبرز شاب صغير من وسط الجموع فهجم على باب الدار يحاول كسره وهو يسب اهله ومن به وقذف آخر الحجارة عليه وراح ثالث يتوعد اهله بالتنكيل وراح ثالث ينزع حجارة البيت وارتفع الغضب والسخط خارج البيت الى السماء حيث رآه الجميع طائراً اسودا يوشك ان يبتلع الجميع  ، وفي داخل البيت زاد الرعب والخوف من هول ما قد يحدث 

 اقبل الظلام وانصرفت الجموع إلى بيوتهم ، وفي جنح الليل أرسل راعي البئر بعض خيوله لتصطحب أهل بيته إلى حيث يقع البئر المقدسة وأغلق بيت البيت خلفة وقد علق عليه من الخارج يافطة كتب عليها ... لن تطئوا البئر المقدسة بعد |لآن 

 في الصباح هاجت الدنيا ولم يكن للدار ولا ساحاته ولا أهله حديث الا عن وقف زيارة البئر ، في اطراف الدار حيث يقطن الكادحين والفلاحين بكى الفقراء على عدم قدرتهم على زيارة البئر وقد اوشك موسم الزيارة على البدء ، وارتفع اللوم لهؤلاء الذين اهانوا باب بيت راعي البئر ، وباتت الدار واطرافه حزينة وقلبه غير مصدق لما حدث ولا سرعته ولا حجمه 

 هناك في اعلى الشرفة كان اكبر اهلها يقف ويشير بيديه ويقول لمرافقه ، راعي البئر هذا هو حليفنا الأول والأهم وها هو ساعدنا بشكل يندر أن يساعد به الأخ أخيه ، ويوماً بعد يوم ومع دخول موسم الزيارة ، واقتراب الموسم على الإنتهاء يرتفع السخط على من كانوا السبب في ذلك .... وفي وقت محدد وساعة محددة قرب موعد اختيار الشيخ ، سيظهر المخلص ، رجلنا ، لينهي الأمر ويرتفع في قلوب وعيون الملايين من قاطني أطراف الدار ، ووقتها نكون قد وضعنا رجلنا في كرس الشيخ بكل هدوء

 ضحك الإثنان على سذاجة هؤلاء العامة ودخلوا لغرفة الإجتماع لإستكمال الخطة

------------------------------

وقفه انتخابات


عام ونصف العام من الدم المسفوك .... ومازال كبار الدار ، الجالسون على الكرسي ، يقدمون شباب الدار للنحر على المذبح ... حتى يأتي لحظة فتح الكنز العظيم وجلوس رجلهم المختار على كرسي الحكم

 لله درك من دار .... مازال شبابك يقدمون أنفسهم حتى فجر اليوم ، لم يتسلل اليأس بعد لقلوبهم ، إنهم يمنحونك دمائهم ليعيدوا شبابك

 يا دارنا* لسه عددنا كتير لا تجزعي من بأس الغير



يا فقراء الدار إثبتوا ... فاليوم يومكم والعيد عيدكم ... والدار توشك ان تعود لكم

 فلا تبيعوا مستقبل أبنائكم وقد باع أبناء إخوتكم وجيرانكم أرواحهم وأعينهم ثمناً لهذا الي

---------------------------------







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق