قصة الضياع



أول القصيدة

شوف يا عم ، انت اول ما تنزل مطار هثرو في لندن ، المطار الكبير قوي ده ، تاخد المترو وتطلع على وسط البلد في بيكاديللي ، أيوه زي العتبة كده عندنا ، وهناك بقى ما اقولكش ، دي عالم تانيه خالص ، وكمان الدنيا هناك سهلة ، والحريم زي الرز ، وشوف بقى سمعة التحرير موصله لحد هناك ، يعنى يا معلم تقف كده عند سينما اوديون ، ما تبقاش عبيط ، دي اوديون بتاعتهم مش بتاعتنا احنا ، وخد في وشك مش حتلاحق يا معلم ، وادعيلي

صاحبنا صدق صاحبه وقال لنفسه ، طيب وانا خسران ايه ، ما هو اللى ما يشتري يتفرج ، وطول الرحلة وهو 6 ساعات قاعد مغمض عينيه في الطيارة وبيحلم بقى بالجنه اللى حيدخلها ، طبعاً اول الطيارة ما نزلت هثرو ، صاحبنا ما كانش عامل حسابه على البرد ده ، لأ وكمان علشان تكمل الطيارة وقفت بعيد على الممر واضطر يركب باص في ريح جامدة ودرجة حرارة حوالى 8 درجات وهو لابس قميص ، لما تلج ، بس يا عينى عليه لسه قلبه اخضر ، وكان كل ما يتكتك يدفي نفسه بالحلم اللذيذ بتاع وسط البلد وبنات بيكاديللي

وفعلا اخد المترو وطلع على وسط البلد عندهم هناك ، رمى الشنط في الفندق ونزل جري على لندن البلد ، صاحبنا أول ما نزل الشارع لقى فعلاً واحد بيبوس واحده ، لأ ده مش بيبوسها ده كان باين بياكلها ، قال لنفسه ، قشطه جداً ، يبقى كده ان فعلا في وسط البلد ، وهب طلع زي الرهوان على شارع اكسفورد الجديد

لما الباشا وصل لحد محطة المترو بتاعة توتنهام كورت قرب هاي هلبورن ، دخل شمال من تحت الكوبري ولف يمين من عند المطاعم وبعد شارعين كده لقى زحمة وبنات بالعبيط هناك قال لك بس فرجت ، عدى الشارع زي القرد ، ما هو كان لسه مش واخد على نظام السواقة الشمال بتاع لندن ، قالك بس بلاش اللمه دي لأن منظري وانا باعدي الشارع كان زي العالم البيئة ، ودخل كده من اول يمين

لما دخل الشارع اول حاجه قابلته محل على الشمال للحاجات قليلة الأدب (الكلام للكبار فقط) ، قال لك بس ادى أول القصيده ، يا معلم يا معلم ، كمل كمان ، بعد شوية لقى الزحمة بتكتر والناس مرمية في الشارع على تربيزات زي اللى على الكورنيش كده في ساحل روض الفرج ، وكل واحد واخد إزازه ومزه وبيشربهم ، ايوه ما تستغربش هو اكتشف في لندن ان المزز ممكن تتشرب ،وتتاكل كمان ، وده كان اكتشاف طبعاً ، قال لك فرجت والنحس الدكر حيتفك ، وجه على أول صالة عرض وجه داخل ، اول ما دخل لقى واحد بيبوس واحد ، اتخض ، وقال في نفسه ايه القرف ده ، بس ما اداش خوانه ، قالك عادي ما هي كل لندن كده ، المهم وقف شويه ولقي واحدة بتحضن واحده من ضهرها ، وبعد دقيقه لقى واحده  بتحضنه من ضهره قلك بس يا ريس الحريم هلت ، شويه والحضن سخن ، صاحبنا راح في ملكوت تاني وبيلف ولقى غضنفر واقرع وبحلق في ضهره ، صاحبنا نط وفط زي مازنجر وحط ديل الجلابيه في سنانه وهات يا فكيك ... وطلع يجري وهو بيصرخ .... انا كنت باتفرج ، مش جاي أشتري





دو يو ماري ميي

صاحبنا بعد ما حصل اللى حصل ، وخد نفسه وهرب وقال لك توبة أجي الشارع ده تاني ، قال لنفسه اروح ادور على حاجه اكلها احسن ، صاحبه ما كنش نصحه بالأكل هو كان مركز بس على الشرب (الحدق يفهم) فكان لايص مش عارف ياكل ايه وفين ، وطبعاً الأكل مآساة في حد ذاته ، المهم رجع على شارع اكسفورد الجديد وبعد شارع المتحف بشوية ، لقى كام مطعم كده جنب بعض لإن المنطقة تجارية



بس المشكلة كان يدخل ويختار ايه ، المهم قرر انه ياكل اكل صيني على الأقل مفيهوش قلق وخصوصا انه ممكن ياكل سمك او جمبري ، ودور على محل بيعمل بوفيه مفتوح بسعر معقول حوالى 10 باوند ودخل ، طبعاً قبل ما يدخل فضل 10 دقايق يشوف فيه قلق جوه ولا لأ ماهو اتعلم من درس الصالة اللى لسه معلم على ضهره ، لقى الموضوع هادي دخل ، كان اختيار كويس الأكل شكله حلو وريحته حلوه ، المهم قابلته جرسونه قمر شكلها كده صيني أو كوري ، صاحبنا قلبه وقع في رجله ، وكان عايز يقعدها على الترابيزه ويروح هو يخدم عليها ، وقال لنفسه اهو كده مفيش داعي للسلطه ... العبي يا العاب

جابت له الطبق وساعدته يختار ايه وفعلاً قعد ياكل وهو كل تركيزه على البنت ، مش باقول لكم قلبه لسه اخضر وما بيتعلمش ، المهم البنت شافته مركز معاها بدأت كل شويه تبتسم له ، وهو قلبه بينط من الفرحه اخيراً لندن حتبتسم له ، والمره دي من غير قلق ، مطعم واكل وجرسونه ، عادي يعني مفيش بقى كلام تاني ، المهم نسيت اقولكم ان صاحبنا لاحظ ان كل الناس في الشارع آخر شياكة ولابسين آخر موضه ، وطبعاً كان جديد عليه ان نفس الكلام ده ينطبق على الجرسونه ، طقم الشغل على آخر صيحه
موضوع اللبس ده عمل له مشكله ، لإن البنت كانت كل ما توطي تجيب الإطباق من ضلفة المطبق الأرضيه ضهرها كل ينكشف ، وصاحبنا يتنح ، والبنت تبتسم ، عادي يعني ، المهم قالك بس ما بدهاش خلص الأكل بسرعه وطلب الحساب من البنت اياها ، طبعاً الإبتسامه على وشها وهي بتقدم له الفاتورة ، خلته مش قادر يبلع ريقه
بلع ريق بصعوبه وبصلها وسبل عينيه وقالها بكل رومانسية ورقه ... دو يو ماري مي ... البنت ابتسمت ابتسامه رقيقه وقعدت معاه على الترابيزة وقالته ، انت منين واسمك ايه وبتشتغل ايه ، كلمه منه على كلمه منها الموضوع مشي زى الحلاوة ، وصاحبنا بقى طاير من الفرح ، ان القمر دي ممكن تبقى مراته ، البنت ادته العنوان علشان يزورها في البيت بعد الشغل لإنها مش حتقدر تقعد معاه بعد كده ، وكمان علشان ما تكتش منه اخد رقم الموبايل بتاعها ، ودفع الحساب وكمان دفعلها خمسين باوند علشان خاطر عيونها ، وطبعاً علشان يبان انه راجل لارج ، البنت اخدت الفلوس وقالته ، سيو تونايت دارلينج

قبل الميعاد بربع ساعة كان واقف تحت البيت عندها في شارع هاوس رايد وده شارع متفرع من شارع ريجنت ، عند التقاطع مع شارع اكسفورد لما تخرج من محطة مترو اكسفورد سيركيس ، بعد جامعة ويستمينيستر بشوية

صاحبنا وقف في المطر والبرد لحد الميعاد ما قرب وبكل ثقة ضغط على جرس الشقة رقم 59 زي ما قلت له ، نسيت اقولكم انه اخد معاه هديه وبوكيه ورد دفع فيهم 100 باوند ، ولما البنت فتحت الباب الرئيسي من فوق كان قلبه بيسبقه على السلم ، وهو طالع الدور الأول

لما قرب على الشقة ولسه حيرن الجرس لقى الباب بيفتح ومفيش حد ظاهر ، دخل راسه لقى البنت واقفه ورا الباب بلبس النوم (هو عندنا صراحه مش لبس نوم ، ده أصلا مش لبس) ، طبعاً تنح ، ودخل وهو مش على بعضه ، لما دخل قعد في الصاله ، نسيت اقولكم ان الشقق في لندن زي علبة الكبريت ، الشقه تعملها بالكتير 50 متر وكده تبقى كبيره ، وراحت تجيب له حاجه يشربها

شويه وسمع صوت غريب كده ، لما البنت رجعت قالها فيه حد معاكي في الشقة قالت له آه زميلتي ، قالها بس انا سامع صوت ، قالت له آه اصل معاها كاستومر بت ايام فري ، هو ما فهمش قالها يعني ايه هي كالعادة ابتسمت ابتسامه خلته نسي السؤال وقلبه داب

بعد شوية فهم الساذج لما اتفتح الباب وطلع الراجل والبنت من غير هدوم خالص ، ساعتها صاحبنا اتنفض من على الكرسي خبط في السقف ، ورمي الهديه والورد في وشها وجري على الباب ، والبنت تمسك في بنطلونه وتقوله انت مش حتتجوزني ، طبعاً شد البنطلون زي اللى لسعه تعبان وخد ديل الجلابيه في سنانه وقال يا فاكيك ، وهو بيصرخ انا جاي اتفرج مش اشتري 




فراخ بانيه

نفد صاحبنا بجلده من العروسه الكوري مع أنها بنت الإيه كانت قمر مع انه كان راسم على الإقامة ، وطبعاً حيحرم عينه تزوغ تاني ، بس هل حظه حيتعدل ولا حيفضل منحس كده ، آه على فكره ، من يوم صاحبنا ما نزل والمطر عمال يرخ ، وطبعاً الناس في لندن عادي جداً ، البلطو على كتفي أو الشمسيه في النمليه ، والعيشه آخر لذاذه ، والمزه في حضني وعادي عيش يا معلم

صاحبنا شاف ايام صعبه من البرد والمطر ، ما كنش صاحبه اللى نصحه في الأول ايوه فاكرين بتاع وسط البلد وأوديون ، قال له ان الجو عامل كده فمعملش حسابه ، فكر يروح يشتري بالطو ، وفعلاً راح على شارع اكسفورد قرب محطة مترو ماربل آرك فيه محل هناك اسمه بريمارك بعد العربية للعود ، متستغربش فعلا العربية للعود فاتح محل هناك في اكسفورد وبيبيع بخور وعطور شرقيه ، طبعاً صاحبنا كان مبسوط جداً ان فيه يافطه مكتوبه بالعربي، المهم إن بريمارك ده فيه اسعار رخيصه ، وطبعاً بقى حذر جداً من بعد الحادثتين

اول ما دخل من المدخل أخد شماله وفجأه لقى نفسه في قلب منطقة الملابس الداخلية الحريمي ، وعلى حظه كانت غرف القياس زحمه ولقى بنات عادي بتقيس كده ، كده ازاى ، أقولك ، على جنب كده وتقلع البلوزه في عز البرد وتقيس حمالات الصدر ، مع ان ممنوع ان الستات تقيس ملابس داخليه ، بس هو أول ما شاف المنظر ده من هنا ، وعلى طول نور في عقله ضوء الإنذار وهاتك يا فكيك ولا بالطو بقى ولا حاجه هي المشرحه مش ناقصة قتلى

خرج من المحل جري على المترو ، نسيت اقولكم ان الشارع كان فيه كمية ستات وبنات محجبات رهيبة لدرجة انك لا تتخيل انك في لندن ، المهم صاحبنا خد في وشه وعلى المترو ، المهم نزل على خط السنترال وهو نازل على السلم الكهربائي كان واقف قدامه بالضبط بنت محجبه مع ولد نازلين بوس واحضان ، لدرجة خلته هو نفسه مكسوف ، المهم رجع محطة توتنهام كورت ودي كانت بعد محطتين

قرر يدور على مطعم عربي طالما فيه هنا الكم ده من المحجبات لازم فيه مطاعم عربي ، ولف شويه لحد ما وصل لمطعم مكتوب عليه بالإنجليزي فلافل وكباب ، قالك بس اربط عندك ، طبعا الجرسون من على الباب ، أهلا يا باشا ، ده فكره بهوهو في الساحل ، وريحة طاجن اللحمه في الفرن لسع مناخيره ، وهوب الراجل سحبه على جوه ، صاحبنا ما قاومش ، هو اصلا جاي لكده ، ودخل واتفرج على الأكل واتعرف على الولد اللى شغال في المطعم ، كان مغربي وكلمه منه على كلمه من صاحبنا طلب منه فراخ بانيه وبطاطس وشاي ودفع 8 باوند وساب للولد العربي بقية العشرة باوند بقشيش
شويه ودخل المحل ولد انجليزي مش على بعضه ، هو كان رفيع ولابس جينز بس تحس انه ضايع كده ، وبعدين اصلا مش عارف انواع الأكل ولا يطلب ايه ، شويه وطلب سوسيس - ليه سوسيس ... ما اعرفش - مع بطاطس وبيبسي ، شويه ودخلت بنت عسوله ، قعدت تسأل على كل انواع الأكل وفي الآخر قالت للجرسون انا اصلا مش عايزه آكل انا عايزه ادخل الحمام ، الولد دخلها واختفي دقيقتين ، بعد شويه خرجت البنت مبسوطه وعملت له بصباعها علامة ميه ميه ، اكيد استريحت مسكينه ، ده صاحبنا قال لنفسه ، شويه ودخل الولد الأولاني ، والجرسون اختفى دقيقتين ، شويه وخرج الولد مبسوط ، وقعد ياكل بشهية ، صاحبنا فكر وقال انا كمان لما اخلص ادخل الحمام ، بس الموضوع اتكرر ومزز وشباب رايحين جايين على الحمام والمحل اصلاً شكله يسد النفس

صاحبنا قالك ايه الحمام اللى عامل زي التيرمنال بتاعة مطار هيثرو ده ، وبدأ الفار يلعب وبدأ يقلق وبدأت أعراض صالة العرض تظهر بشايرها عليه وبدأ يتلفت حوليه ، وكل شويه يبص وراه مستنى الحضن ، بس شويه وكتر موضوع الحمام وموضوع الإنشراح ده ، صاحبنا من القلق مكانش عارف يقطع الفراخ بالسكينه وفجأه دخل راجل ضخم وبسرعة دخل ورا أستاند الأكل وفجأه الولد الجرسون حدف على صاحبنا لفه ، وسمعه وهو بيقوله للراجل الضخم لأ الماريجونا تخص الزبون ده ، أتارى المعلم مش بتاع اكل وبس ده بتاع مزاج كمان ، واتارى كل اللى يدخل حزين يطلع مبسووووط ونفسه مفتوحه

صاحبنا ضرب اخماس في اسداس ، ومسك اللفه ورماها على الجرسون المغربي اللى رماها على الضابط وصاحبنا في ثانيه خد ديل الجلابيه في سنانه وطلع يجري وهو بيقوله الله يخرب بيتك انت حتودينى في داهيه ، وبسرعة صاروخ ارض جو نط من فوق الكراسي ، كان فيه اتنين بيحضنوا بعض وقعهم على الأرض من الخبطة ووقع فوقهم ، وبسرعة قام وكان بره المطعم قبل الضابط ما يلحقه واختفى في زحمة منطقة سوهو قليلة الأدب





حتى أنت يا لندن

كانت الفتاة التى تعزف على الجيتار الكهربائي في محطة ويست منستر ، حيث قرر بطلنا القيام بزيارة لمبنى البرلمان البريطاني وبرج ساعة بيج بن الشهيره على شاطئ نهر التايمز الملوث ، كانت حقاً جميلة ، وكانت تقف منتصبة القامة ، كغصن بان ما زال مبتل من أمطار أواخر الشتاء ، كانت العازفة تجبر كل الركاب على تحيتها لعبقرية العزف ، وجمال صوتها وهي تغني أغنية قوة الحب لسيلين ديون




ما زال مظهرها الجذاب وعزفها المتفرد يجوب طرقات خيال بطلنا وهو منهمك في مشاهداته للنهر ورواده والبواخر الصغيرة التى تقوم بين وقت وآخر برحلات نهريه بين ضفتي النهر ، تلك التى ذكرته بالأتوبيس النهري ، ورحلات القناطر الخيرية ، ورقص الثلاث فتيات يوم العيد وهو راجع مع مجدي من زيارة خالته ومجدي هو صديق المراهقة الأول وصاحب المغامرات الأليمة معه وهو ما زال غض العود لم تتفتح أزهاره بعد ، تلك الذكرى التى ترك مرورها بمخيلته إبتسامة وهو يتذكر ذلك الفتى ذو السبعة عشر ربيعاً من بعيد الذي كانه ، والتى تحولت لحسرة عندما غادرته الذكرى وحل موضعها واقعه امام عينيه

في طريق عودته من ذات المحطه قرر أن يقف للإستمتاع بعزف تلك الفتاة ، وكانت لا تزال تعزف ولسوء حظها لم يضع العابرون الكثير من العملات المعدنية في حقيبة الجيتار السوداء التى قد فتحتها على أمل ان يتكرم الماره عليها ببعض المال ، ولا تتعجب عزيزي القارئ فهذا الأمر مألوف في لندن في كل محطات المترو ، وكذلك على شاطئ النهر ، تجد من يتسول بعدة طرق مختلفه منها الطريف ومنها الممتع ومنها المؤلم ، فحتى لندن لم تعدم المتسولين ولا الباحثين عن الطعام في مخلفات الأكثر دخلاً ، حتى انت يا لندن ، هكذا رددها بطلنا بينه وبين نفسه

قرر بطلنا ان يقف للإستماع للعزف وأن يساعد هذا الفتاه ببعض العملات الزائدة عن حاجته والتى تشكل آله عزف رديئة في جيبه اثناء حركته ، هكذا وجدها فرصة للتخلص من تلك العملات التى اعطته اياها الفتاه في المقهى عند عين لندن بعد ان طلب قهوته ، بعد انتهاء العزف تقدم من الفتاه واخرج كل ما كان في جيبه من عملات ملأت قبضة يده ، وعبرت الفتاة عن امتنانها بإبتسامه رقيقة لا تقل جمالا عن عزفها ولا روعة عن أناقتها ، وبدأت في جمع أغراضها للذهاب ، تقدم بطلنا وعرض عليها المساعدة في جمع الأسلاك ، وبالفعل قبلت منه الفتاه ذلك وهي ممتنه لجميل صنعه
وزاد بطلنا ان حمل معها الحقيبة وسارا معاً إلى خارج المحطة في اتجاه لمبس نورث ، عبرا معاً الكوبري للجهة الأخرى حيث عين لندن الشهيرة ، لاحظت الفتاه صمته فبدأته هي بالحديث وسألته ماذا يفعل في لندن ، وكم من الوقت سيقضي هنا وما الأماكن التي شاهدها ، وهكذا سارت الأمور وبدأ التواصل يصبح دافئاً بعض الشئ في هذا الطقس البارد الملئ بالأمطار


سألها بطلنا اين تريد ، فأجابته سوف أعود للبيت لأرتاح قليلاً قبل أن اعود مرة أخرى للعزف في نفس الموضع ، ولكن كانت قد قررت أن تغير الأغنيه لأخرى لأن ما جنته في الصباح لم يشجعها على غناء نفس االأغنية مرة أخرى ، وكانت قد قررت غناء أغنية ذات إيقاع سريع لجذب جمهور من الشباب والفتيات فلعل ذلك أن يزيد ما تجنيه من المال ، وجدها بطلنا فرصة ان يقدم لها شيئا قد يسعدها فدعاها لتناول الغذاء ، قبلت الفتاه الدعوة وهي سعيدة لدرجة أوحت اليه ان يقوم بدعوتها كل يوم ، فقط ليشاهد نفس الشعور على ملامح وجهها ، وبالفعل دخلاً إلى مطعم ماكدونالدز بالقرب من محطة مترو واترلو وطلبت الفتاه اجنحة دجاج وكولا وبطاطس ، وهو تناول برجر مزدوج بالجبن وعصير تفاح وبطاطس.

في اثناء الطعام بدأ بطلنا بالحديث وسألها عن إسمها ، لمدة اكثر من ساعة وهو ينتظر هذه اللحظة ليعرف إسمها ، واجابته اسمي جيني ، وسألها عن قصتها ولماذا وهي على هذه الدرجة من الإحترافية لا تعمل بالعزف أو الغناء فتجد دخلاً يغنيها عن طلب الناس في محطات المترو ، رجعت جيني بظهرها إلى المقعد وكفت عن الأكل وتنهدت وهي تحاول استرجاع ما مرت به خلال الأعوام الماضية واغمضت عينيها للحظات.
وعندما فتحت عينيها كان على وجهها آلام سنوات قد احتلت ملامح وجهها فجأة وكأنها تبدلت ، فحلت روح اليأس محل المرح ، وحل الألم موضع السعادة ، وقالت له هل تعرف إني خريجة جامعة الملكة ماري في ميل اند ، وكنت انا وهاري نخطط لمستقبل جميل ولتكوين أسرة وكنا نسكن فس شقة صغيرة تطل على حديقة كنجستون وملاعب التنس هناك ، ولكن بعد موت هاري في حادث سيارة وانهيار كل احلامي كان الكحوليات هي ملاذي وتركت شقتي وكنت دائما اتسكع مخمورة في طرقات سوهو ، وصاحب المنزل بعد عدة اشهر اخذ الشقة لعدم مقدرتي على الإحتفاظ بها ، فلم يعد لي ملجأ إلا الشارع ، قاطعها بطلنا ولكنك اخبرتني انك ذاهبة للمنزل ، فاجابته نعم فانا أسكن الآن حديقة بارني سباين جاردن على شاطئ النهر بعد المتحف القومي ونحن الآن متجهان للبيت ، سألها بطلنا ولكن كيف تبقين على قيد الحياه في الشتاء حين تنخفض درجة الحرارة لأقل من الصفر ، اجابته جيني ، في بعض الأيام ارتاد احد ملاجئ المشردين لأحصل على وجبه دافئة ، وقد سكنت مطار هيثرو لبعض الوقت ، فانا مظهري لا يبدو كالمشردين وقد ازيد من الأمر لأبدو احدى الركاب الذي ينتظر رحلته ، فأنا محترفة تسكع.

أوصلها بطلنا حيث منزلها المتواضع ولم ينس وهو أمام مدخل الحديقة ان يضع في يدها مائة باوند مساعدة منه لفقراء لندن ، وقفل عائداً وهو يتمتم حتى أنت يا لندن.
العازفون في مترو لندن حيث اعتادت جيني الوقوف





الغـــــريب

قد نرى بعض الأمور حولنا بعين حانية ، ولكن الدنيا ترقبنا بأعين قميئة بغيضة وترى فينا فريسة محتملة ، فما تلبس أن تغرقنا في دوامات الإغواءات وتترك طرقنا لزجة ، حتى إذا ما انزلق أحدنا ... هوى في حفرة سحيقة ، ولا خروج منها ابداً ، وقد نرتحل لنسكن أماكناً جديدة وطرقات عذراء ، ولكنا حقاً نُسكن ، بأماكن وشخوص جدد يستبيحون عذرية أنفسنا وطهرها ، وقد يعبرون داخلنا فيتركون أثاراً قد تكون هادئة ، وبعضها كالأعاصير التى تعصف بداخلنا ، لتقذفنا إلى ممرات وطرق سحيقة ، محطمة كل جُدر اللامعقول ، أرجوك عزيزى القارئ أن تحافظ على رباطة جأشك وهدوءك ونحن نعبر منحنى من منحنيات الحياة في الحكاية التالية

قضى بطلنا جل وقته في التنقل بين الطرقات والمطاعم متنقلاً من موقف طريف إلى آخر سخيف ، وبدا انه قد عزمت نفسه على التوائم مع المجتمع الذي وُضع فيه ، فلم تعد تصرعه المفاجآت ولا يُخيفه إتساع الفجوه السحيقه بين عالمه المتواري هناك خلف المسافات البعيدة ، وما قابله في عالم وجد نفسه داخله في غفلة من الزمن ، لما وصلت قناعته لتلك المحطة ، انطلق في عالمه الجديد يجوبه طولاً وعرضاً ليختبر معالمه وينسج أساطيره الخاصة به ، ويترك آثاره هنا وهناك

حتى جاء يوم من ايام تلك الملهاة التى نحياها وتسكننا ، يوم ان ذهب إلى شارع إدجوير وهو ما يعرف في لندن بشارع العرب ، كان حنينه لماضيه قد غلب شغفه بالعالم الجديد ، فقرر التزود بجرعة من ثقافته من خلال قضاء ليلة بشارع العرب في قلب لندن
توجه لمحطة مترو توتنهام كورت ثم استقل المترو لمحطة اكسفورد سيركس ثم قام بتغيير الخط إلى باكرلوو وتوجه إلى محطة إيدجوير ، كان الشاراع ممتلئ بالمحلات والمقاهي العربية ، وكانت اللغة العربية منتشرة هنا وهناك ، توجه بطلنا لمطعم عربي يسمى السليماني وهو على درجة عالية من النظافة وتناول غذاءه هناك طبق مشاوي ، كان قد افتقد طعمه منذ ان وطأت قدمه لندن ، بعد ذلك اخذ في التجول في الشارع 
ثم عرج على بقالة المصطفى لشراء بعض الأغراض والتى لم يكن في حاجه حقيقيه لها ، وإنما كما أخبرتكم ، بعض الأماكن تسكننا رغماً عنا وهو هنا قد اقتحمت ذاته البقوليات العربية ، وعندما دخل للبقالة ووقف امام رف الأعشاب ، توقف عند صف قد كتب عليه ، بردقوش ، وكان أول مرة يقرأ هذا الإسم واخذ يقلب العلبه ليقرأ ما دون عليها ، عندما جاءه صوت من خلفه ، هذا عشب مفيد جداً بل هو سيد الأعشاب ، خذه ولن تندم ، قالها بعربية سليمة تماما وإن غلب عليها اللهجة الخليجية
تلفت لمصدر الصوت فوجده شاباً لم يكمل بعد عامه الأربعين او قد يكون ، ولكن ملابسه كانت رثه وكأنه قد خرج من مستودع النفايات لتوه ، وكان يشتري عسل جبلي ، كان الأمر غريب فكيف لهذا المشرد كما يبدو من ملابسه بثمن مثل تلك السلعة التى قد لا يستطيع بعضنا شراءها لإرتفاع ثمنها ، عسل جبلي ، ما هذا ، هكذا تمتم بطلنا ، ولغرابة الأمر فقد تلكأ بطلنا في دفع الحساب حتى انتهى هذا الغريب من شراء ما جاء من اجله وذهب للدفع ، ذهب بطلنا في أثره وقد ارتفع سقف فضوله وانتبهت كل حواسه للأمر

لما وقف المشرد لدفع الحساب وأخرج حافظته ، كان الأمر غريب فقد كان بالحافظة عدة بطاقات إئتمان ، ردد بطلنا في نفسه كيف له بهذه البطاقات ، بل كيف لبنك ان يصدر بطاقة إئتمان لمن هم على مثل شاكلته ، بالفعل دفع الغريب حساب أغراضه ودفع صاحبنا بسرعة حسابه وخرج في إثر هذا الرجل وقد نبأته غريزته أن هذا الغريب له أمر جلل


صورة بقالة المصطفى في شارع إيدجوير



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق