الخميس، 13 ديسمبر 2012

قطرة مطر


تلكم الليلة لما سقطت تلك القطرة على كفه بعد أن مدها لتلقى بركة السماء ، كانت جد مختلفة .. ولما حاول فك رموزها بإصبعين حركهما الشوق ألفى تلك الملائكية متكومة داخل تلك القطرة منكفئة على نفسها تنعي حريتها ، ولما ان نزع عنها ملابسها المبتلة ومنحها الحرية التى لم تحلم بها يوماً ... نزعت قلبها من بين ثنايا جوفها وفتحت قلبه ووضعته داخله ، ونظرت فى عينيه وهي تبتسم قائلة .. أهب قلبى لمن منحنى حريتى فى يوم ميلادي هذا .. أهب نفسي لمن ملكنى
لم يكن يدرى انه فى هذه الليلة اصبح يحيا بقلبها هي حيث ترك قلبه هناك للأبد داخل جسد تلك الملائكية
تقول الأسطورة انه بعد تلك الليله لم يعثر لهما على أثر ولكن نبت فى تلك البقعة ... زهرة جوري تزهر طوال العام




الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

سافانا


قد يرسم الاخرون خطة لحياتنا ..ولكن الاقدار تنشئ لنا خطة اخرى لا تشبه ما قد رسموه لنا ... ذلك ما دون على وريقات تلك الأشجار الباسقة هناك فى احراش الغابة ، وذلك ما همست به الطيور لرفيقاتها أثناء رحلة الهجرة وهن يهممن بمخالفة قائد السرب ... هذا ليس قدرنا.


لم يكن يعلم انتونيو ان مساعدته لذلك السائح الغريب ستدمر خطته وقدره الذي اختاره والتي استغرق نصف عمره ، وها هي حياته النموذجية التى لطالما ابدع فى وصف هدوءها .. تتهاوى ، والمثاليه التي أوجدها من العدم .. تتلاشى 

قد يبدو الأمر غريبا ولكن للأقصوصة تاريخ وماض بعيد بدأ منذ ربع قرن من الزمن يوم أن حط أنتونيو وعائلته الصغيرة رحاله في هذا الجزء البعيد عن عالمنا والموغل فى البدائية في سهول السافانا الممتدة على حدود غابات جنوب افريقيا 

لقد قدم من المكسيك طريداً .. ومشبعا برؤية قاتمة عن البشر وعن المجتمع الانساني الذي آذاه كثيرا وخذلته الحياة هناك مرات عديدة .. فقرر الهرب الى دنيا جديدة يخلقها هو بنفسه ، ويعيش فيها ما حلم به طوال عمره

وحين صارح زوجته انابيلا برغبه تلك كانت أنابيلا اكثر تحمسا منه ، فهي ايضا قد اكتوت بنار مجتمع لا يرحم ، واستقر مقامهما في حقول السافانا فأقاموا وطناً لا يحده  أفق فمنحهم وطنهم انفاساً نقيه لم تلوثها ايادي الانسان

عاش أنتونيو مع زوجته وابنتهما ساندي حياة فطرية رائعة ..حولوا تلك البقعة النائية الى مزرعة متكاملة كانت هي عالمهم الصغير ..تسقيهم السماء وتغذيهم الطبيعة .. ولم يكن ليكدر نقاء هذه الحياة شئ  .. حتى اعتادتهم الحيوانات والطيور

ومضت حياتهم على نفس الوتيرة لسنوات عديدة ، يستيقظون جميعا مع شروق الشمس يعملون في الحقل ورعاية الحظيرة التى امتلأت بالحيوانات ...وعندما يضاجع الليل أطراف الغابة ويرخى سدله على أحراش السافانا فقد كانوا يهرعون الى اسرتهم لينعموا بنوم  هادئ لا ارق فيه ولا ضجيج ولاهموم .

أنه ذنبي .. ماكان علي استقباله في مزرعتنا  !!

هكذا قال انتونيو والأسى يعلو وجهه لزوجته أنابيلا والتي ماتزال به تقنعه لمغادرة السافانا واللحاق بابنتهما ساندي ، والتي غادرت متخفية مع ذلك السائح الذي اضاع طريقه في رحلته لافريقيا ..والتقاه أنتونيو وعرض عليه استضافته ومساعدته  في العودة للمدينة ذات صباح

ماكان يدري أنتونيو انه قد فتح امام ساندي شرفة لدنيا لم تعرفها .من قبل . ولأول مرة في حياتها يخفق قلبها بشدة وهى تلتقي برجل يتسور محرابها لأول مرة ليضاجع أحلام يقظتها ... فهي قد ولدت وترعرت في هذا المكان ..وكل ماتعرفه هو ماتراه امامها

حين حضر هذا السائح ومعه تلك الاغراض الغريبة وبخاصة ذلك الكتاب الملون كما كانت تسميه ساندي وهى تتحسسه بأصابعها الرقيقة فى إنبهار ذلك الكتاب الذي احتفظ فيه هذا الغريب بصور مغامراته من رحلاته السابقة  .. كم كانت منبهرة وهي تشاهد تلك المدن والشوارع والاهم ...الوجوه

أريد ان ارى تلك الحياة  ..  صرخت ساندي وهي تحمل بين يديها  تلك الصور وكانها أحدى الأيقونات المقدسة .. لم يمر سوى أيام معدودة حتى تحولت تلك الصرخة الى صدى لقرار اتخذته ساندي في صمت وغادرت مع السائح ...بعد ان تركت لاهلها رسالة مفادها انها سترحل باحثة عن حياة اخرى بعيدا عن السافانا ، وختمت رسالتها بتلك العبارة

سأبحث عن قدري ... فقدركما لا يناسبنى  ... ساندي


الرسالة

كانت ليلى تلك الفتاة التى لم تغادر بعد قطار المراهقة ، ولم تتذوق طعم المشاعر المتوهجة فى تلك المرحلة ، تقف بجوار أبيها الذي كان يحمل شبكة صغيرة ويلقى بها إلى مياة البحر طلباً للرزق
لم يكن البحر فى ذلك اليوم ليفتح خزائن جوده ، ثم أن الشبكة أسقطت غنيمة من عالم آخر ، لكنها لم تكن لتجلب السعادة لقلب الأب ، فقد كانت زجاجة أحكمت سدادتها وبداخلها ورقة قد لفت بعناية واحيطت بشريط حريري أحمر
أمسك الأب بالزجاجة وناولها للفتاة التي فتحتها وفضت بكارة الرسالة ، لتجد بداخلها عدة كلمات قد كتبت بحر أزرق وتخللها قلب وشفتان مطبوعتان باللون الأحمر ، لم يكن هناك أمر ليستطيع أن يستدعي مراهقتها من غفوتها مثل تلك الرسالة
كانت الرسالة تقول "أنتظرك يا حب عمري يوم الخامس عشر من إبريل عند بوابة المنتزه صباحاً.. احبك" كلمات قليلة ولكنها اخترقت قلبها كسهم صوب من قرب نحو خبيئتها
لم تكن الفتاة التى بدأت تخطو أنوثتها بقوة مغادرة محطة المراهقة لتعرف معنى تلك الكمات قبل ذلك اليوم ولا مفعلوها السحري على نفسها ولا جسدها ، بل لم تكن لتوقظ احلام يقظتها التى أثقلها حمل الأعباء اليومية ورعاية أخوتها وإستذكار دروسها اليومية وهى فى كل كل ذلك مرتحلة فى مشوار شقاءها اليومي ، وهى التى لم تكن لتشارك زميلات الفصل قصصهن حول الفتيان ومغامرات الشاطئ والمقاعد الخلفية فى السينما والقبلات المختلسة من بين شفاة مرتعشة خوفاً من الإفتضاح
في ذلك اليوم حط هلى وسادتها أول حلم يقظة فى حياتها ، زارها طيف لم تستطع تحديد ملامحه ، زارها وهو يحمل تلك الرسالة ، ومنحها ثلاث قبلات على جبينها ، ولأول مرة تشعر بما تشعر به زميلات عمرها ، ولأول مرة يخالجها شعور الرغبة والرهبة والسعادة والخجل 
لما حدثت زميلتها الوحيدة أحلام بقصة الرسالة وما شعرت به ، التقطت أحلام صورة للرسالة بجوالها ورفعتها على موقع الفيسبوك بعد ان قامت بفتح صفحة خاصة بزميلتها ليلى وكتبت تحت الرسالة وصلتنى رسالتك ... أنتظرك .. لك حبي
حقاً لم تكن ليلى لتفعل ذلك ولكنها لم ترفض ايضا ما قامت به أحلام ، بل لعلها تمنت ان يكون قدرها أن تلتقى ذلك الطيف الملائكي الذي منحها تلك اللحظات من السعادة
وفى الموعد المحدد وقفت ليلى ترتدى ثوباً جميلاً اقترضته من احلام وهى تمسك بالرسالة بين يديها أمام بوابة المنتزه ... وبعد مرور عشر دقائق سمعت صوت ارتطام وصراخ وتجمع الناس فى وسط الحارة فى الجهة المقابلة من الشارع حول شاب مستلقى على الأرض بعد أن صدمته سيارة مسرعة وهو يمسك بيده باقة من الزهور الحمراء وبيده الأخرى نسخة من الرسالة ... احتضنته ليلى ووسدت رأسه صدرها وبكته حيت فاضت روحه وهو بين يديها
ثم عادت للبيت لتكمل مشوار شقاءها اليومي ... كانت تلك الذكرى تمر دائماً أمام عينيها خلال العشرين عاماً الماضية وهي بين يدي زوج لم تشعر معه يوماً سوى بالحرمان لتقلل عذابات تلك الدقائق التى يتناولها خلالهن