قراءة فى كتاب - لغزالموت - د مصطفى محمود

كتاب لغز الموت
د.مصطفى محمود
الناشر دار المعارف


مقدمة
ذلك الموت الذي نراه ولم نثبر غوره ولا نعرف حقيقته إلا إذا قابله أحدنا ذات مرة على غير موعد وهو يتجول فى دروب حياته ... فأنهى حياته ليعرف حقيقته ، تلك الحقيقة التى ثمنها هو نفسه الحياة

ذلك اللغز الذي نعايشه كل يوم حتى أصبحنا لا نهتم بحقيقته لأننا ببساطة إعتدنا عليه ، تلك البوابة التى تفتح بين عالمين ولأننا لا نملك لها مفتاحاً ، وليس لنا معرفة بالقائم عليها حتى نرشوه أو نرجوه فيستثنى أحدنا ، لننظر ما كتبه مفكرونا وعلمائنا عن ذلك اللغز ولنقرأ معاً كتاب لغز الموت للكاتب الراحل الدكتور مصطفى محمود رحمه الله

أتمنى ان يعجبكم

دمتم بكل الود

----------------------
اللغـــــــــز 

كل منا يحمل جثته على كتفيه
ليس هناك أغرب من الموت
إنه حادث غريب
أن يصبح الشيء .. لا شيء
ثياب الحداد .. و السرادق .. و الموسيقى .. و المباخر .. و الفراشون بملابسهم المسرحية : و نحن كأننا
نتفرج على رواية .. و لا نصدق و لا أحد يبدو عليه أنه يصدق
حتى المشيعين الذين يسيرون خلف الميت لا يفكرون إلا في المشوار
وأولاد الميت لا يفكرون إلا في الميراث
والحانوتية لا يفكرون إلا في حسابهم
والمقرئون لا يفكرون إلا في أجورهم
وكل واحد يبدو أنه قلق على وقته أو صحته أو فلوسه
وكل واحد يتعجل شيئاً يخشى أن يفوته .. شيئاً ليس الموت أبداً
إن عملية القلق على الموت بالرغم من كل هذا المسرح التأثيري هي مجرد ... قلق على الحياة
لا أحد يبدو أنه يصدق أو يعبأ بالموت .. حتى الذي يحمل النعش على أكتافه
الخشبة تغوص في لحم أكتافه .. و عقله سارح في اللحظة المقبلة و كيف يعيشها
الموت لا يعني أحداً .. و إنما الحياة هي التي تعني الكل
نكتة.. !
من الذي يموت إذاً ؟
الميت ؟
وحتى هذا .. لا يدري مصيره
إن الجنازة لا تساوي إلا مقدار الدقائق القليلة التي تعطل فيها المرور و هي تعبر الشارع
وهي عطلة تتراكم فيها العربات على الجانبين .. كل عربة تنفخ في غيرها في قلق . لتؤكد مرة أخرى
أنها تتعجل الوصول إلى هدفها .. و أنها لا تفهم .. هذا الشيء الذي اسمه الموت
ما الموت .. و ما حقيقته
ولماذا يسقط الموت من حسابنا دائماً . حتى حينما نواجهه

----------------------------------------------------------------------------

حقيقة الموت كما يراها المؤلف ، وكما لم نراها وكيف أن الموت والحياة يتعانقان معاً كل يوم بل كل لحظة عناقاً سرمدياً ، وجسم الإنسان هو خير برهان على تبادل هاتان القوتان الموت والحياة الأدوار - قد نذكر قوتي الين واليانج عند لاتسيو فى إنجيل الحكمة التاوية فى الصين هنا - وما أن يبلغ أحدهما منتهاه حتى يضمحل إلى أن يسلم الراية للقوة الأخرى فهاهي الحياة تدب فى جنين بدأ ميتاً وارض تنبت بعد موات ، فلما ان شب هذا الجنين ووصل منتهاه بدأ يسلم نفسه للقوة الأخرى وبدا ينهار بنيانه شيئاً فشياً ، حتى سقط ساكناً ... فمات

ولنقرأ مع الكاتب

________

ولأن الموت في حقيقته حياة .. ولأنه لا يحتوي على مفاجأة .. ولأن الموت يحدث في داخلنا في كل لحظة حتى و نحن أحياء

كل نقطة لعاب .. و كل دمعة .. و كل قطرة عرق .. فيها خلايا ميتة .. نشيعها إلى الخارج دون احتفال ملايين الكرات الحمر تولد و تعيش و تموت .. في دمنا .. دون أن ندري عنها شيئاً .. و مثلها الكرات البيض .. و خلايا اللحم و الدهن و الكبد و الأمعاء .. كلها خلايا قصيرة العمر تولد و تموت و يولد غيرها و يموت .. تدفن جثثها في الغدد أو تطرد في الإفرازات في هدوء و صمت .. دون أن نحس أن شيئاً ما قد يحدث

مع كل شهيق و زفير .. يدخل الأكسجين .. مثل البوتوجاز إلى فرن الكبد فيحرق كمية من اللحم ويولد حرارة تطهي لنا لحماً آخر جديداً نضيفه إلى أكتافنا..هذه الحرارة هي الحياة .. ولكنها أيضاً احتراق .. الموت في صميمها .. و الهلاك في طبيعتها

أين المفاجأة إذن و كل منا يشبه نعشاً يدب على الساقين .. كل منا يحمل جثته على كتفيه في كل لحظة

حتى الأفكار تولد و تورق و تزدهر في رؤوسنا ثم تذبل و تسقط .. حتى العواطف .. تشتعل و تتوهج في قلوبنا ثم تبرد .. حتى الشخصية كلها تحطم شرنقتها مرة بعد أخرى .. و تتحول من شكل .. إلى شكل.. إننا معنوياً نموت و أدبياً نموت و مادياً نموت في كل لحظة


----------------------------------------------------------------------------
الكاتب هنا يرى أنه لا حياة بدون موت ، ولو انعدم الموت لانعدمت الحياة ، ويعرف الموت على انه انتقال من مكان لمكان ، فعدم وجودك هنا معناه موتك هنا وميلادك فى مكان آخر
متأثر هو هنا بالقوانين الفيزيائية والتى تنص على عدم فناء الطاقة
ويقدم أنواعاً أخرى للموت كالموت الأدبي والموت المعنوي بجانب الموت المادي او موت الجسد
ويضيف أنه كما يموت الإنسان تموت المجتمعات وكما يولد الإنسان تولد المجتمعات أيضا

لنقرأ معاً



Quote
حتى اﻷفكار تولد وتورق وتزدهر في رؤوسنا ثم تذبل و تسقط .. حتى العواطف .. تشتعل و تتوهج فى قلوبنا ثم تبرد .. حتى الشخصية كلها تحطم شرنقتها مرة بعد أخرى .. و تتحول من شكل .. إلى شكل

إننا معنوياً نموت وأدبياً نموت و مادياً نموت فى كل لحظة

وأصدق من هذا أن نقول أننا نعيش . مادياً نعيش و أدبياً نعيش و معنوياً نعيش .. ﻷنه ﻻ فرق يذكر بين الموت و الحياة .. ﻷن الحياة هي عملية الموت
ﻷن اﻷوراق التى تنبت من فروع الشجرة .. ثم تذبل وتموت و تسقط .. و ينبت غيرها .. و غيرها .. هذه العملية الدائبة هي الشجرة

ﻷن الحاضر هو جثة الماضي في نفس الوقت

ﻷن الحركة هي وجودي في مكان ما و انعدامي من هذا المكان فى نفس اللحظة . فبهذا وحده أمشي و أتحرك .. وتمشي معي الأشياء

لأن الحياة ليست تعادلية ، ولكنها شد وجذب وصراع بين نقيضين ، ومحاولة عاجزة للتوفيق بينهما فى تراكيب واهية هي في ذاتها فى حاجة للتوفيق بينها .. مرة ، ومرة ومرات .. بدون نهاية وبدون نجاح أبداً ، وبدون الوصول إلى أي تعادلية

الحياة ليست تعادلية ليست تعادلية بين الموت والوجود ، ولكنها اضطراب بين الإثنين وصراع يرفع أحدهما مرة ويخفضه مرة أخرى

الحياة .. ازمة .. وتوتر

ونحن نذوق الموت فى كل لحظة .. ونعيشه .. فلا نضطرب بل على العكس .. نحس بكياننا من خلال هذا الموت الذي داخلنا .. ونفوز بأنفسنا ، وندركها ، ونستمتع بها
ولا نكتفي بهذا ، بل ندخل فى معركة مع مجتمعنا .. وندخل فى موت وحياة من نوع آخر .. موت وحياة على نطاق واسع تتصارع فيه مجتمعات ونظم وتراكيب إنسانية كبيرة

ومن خﻼل هذا الصراع اﻷكبر . نحس بأنفسنا أكثر .. و أكثر .. إنها ليست خﻼيا تتولد و تموت في جسد رجل واحد . و لكنها أيضاً مجموعات بشرية تولد وتموت في جسم المجتمع كله.

انها الموت يحدث على مستويات أكبر

الموت إذاً حدث دائب مستمر .. يعتري اﻹنسان و هو على قدميه و يعتري المجتمعات وهي في عنفوانها وهو في نسيج اﻹنسان ..في جسده .. و في كل نبضة ينبضها قلبه مهما تدفقت بالصحة و العافية

وبالموت تكون الحياة .. وتأخذ شكلها الذي نحسه ونحياه .. ولأن ما نحسه ونحياه هو المحصلة بين القوتين .. الوجود والعدم وهما يتناوبان الإنسان شداً .. وجذباً



----------------------------------------------------------------------------

ترى ما سر الموت ؟؟
الكاتب سيشرع بدءاً من هذا الجزء شرح اللغز .. لغز الموت .. ولماذا لا نشعر اننا نموت في كل يوم ، وهنا الكاتب سيربط بين المعاينة المباشرة وبين الجزع من الموت - أنا هنا ارى انه ربط قد لا يكون ذو تأثير لأننا نعاين موت جميع الكائنات الأخرى وقد نقتلها نحن ولا يتسبب هذا فى الجزع أو تذكر الموت - ويمضى إلى أن الموت يمشى متسللاً ونحن لا نشعر به لأنه هو نفسه الحياة

لنقرأ معاً


Quote
ما السر إذاً فى هذه الدهشة التى تصيبنا حينما يقع أحدنا ميتاً
ولماذا يبدو لنا هذا الحديث .. غير معقول ، وغير قابل للتصديق
ولماذا نقف مشدوهين أمام الحادث نكذل عيوننا .. ونكذب حواسنا .. ونكذب عقولنا .. ثم نمضي ، وقد أسقطنا كل شئ من حسابنا .. وصرفنا النظر .. واعتبرنا ما كان .. واجياً .. ولباقة .. ومجاملة .. أديناها وانتهينا منها
لماذا لا نحمل هذا الحادث على محمل الجد
ولماذا نرتجف من الرعب حينما نفكر فيه ..وتنخلع قلوبنا حينما نصدقه وتضطرب حياتنا حينما ندخله فى حسابنا ونضعه موضع الإعتبار
السبب أنه الحادث الوحيد المصحوب برؤية مباشرة .. فما يحدث داخلنا من موت لا نراه .. ولا نرى كرات الدم وهي تولد وتموت .. ولا نرى الخلايا وهي تحترق .. ولا نرى الميكروبات وهي تقتلنا ونقتلها
وخلايانا لاترى نفسها وهي تفنى
كل ما يحدث داخلنا يحدث فى الظلام .. ونحن ننام ملء جفوننا وقلوبنا تدق بانتظام وتنفسنا يتردد في هدوء
الموت يسترق الخطى كاللص تحت جنح الليل .. ويمشى على رؤوسنا فتبيض له شعراتنا .. شعرة .. شعرة .. دون أن نحس .. لأن دبيبه وهو يمشى هو دبيب الحياة نفسها


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق