الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

سافانا


قد يرسم الاخرون خطة لحياتنا ..ولكن الاقدار تنشئ لنا خطة اخرى لا تشبه ما قد رسموه لنا ... ذلك ما دون على وريقات تلك الأشجار الباسقة هناك فى احراش الغابة ، وذلك ما همست به الطيور لرفيقاتها أثناء رحلة الهجرة وهن يهممن بمخالفة قائد السرب ... هذا ليس قدرنا.


لم يكن يعلم انتونيو ان مساعدته لذلك السائح الغريب ستدمر خطته وقدره الذي اختاره والتي استغرق نصف عمره ، وها هي حياته النموذجية التى لطالما ابدع فى وصف هدوءها .. تتهاوى ، والمثاليه التي أوجدها من العدم .. تتلاشى 

قد يبدو الأمر غريبا ولكن للأقصوصة تاريخ وماض بعيد بدأ منذ ربع قرن من الزمن يوم أن حط أنتونيو وعائلته الصغيرة رحاله في هذا الجزء البعيد عن عالمنا والموغل فى البدائية في سهول السافانا الممتدة على حدود غابات جنوب افريقيا 

لقد قدم من المكسيك طريداً .. ومشبعا برؤية قاتمة عن البشر وعن المجتمع الانساني الذي آذاه كثيرا وخذلته الحياة هناك مرات عديدة .. فقرر الهرب الى دنيا جديدة يخلقها هو بنفسه ، ويعيش فيها ما حلم به طوال عمره

وحين صارح زوجته انابيلا برغبه تلك كانت أنابيلا اكثر تحمسا منه ، فهي ايضا قد اكتوت بنار مجتمع لا يرحم ، واستقر مقامهما في حقول السافانا فأقاموا وطناً لا يحده  أفق فمنحهم وطنهم انفاساً نقيه لم تلوثها ايادي الانسان

عاش أنتونيو مع زوجته وابنتهما ساندي حياة فطرية رائعة ..حولوا تلك البقعة النائية الى مزرعة متكاملة كانت هي عالمهم الصغير ..تسقيهم السماء وتغذيهم الطبيعة .. ولم يكن ليكدر نقاء هذه الحياة شئ  .. حتى اعتادتهم الحيوانات والطيور

ومضت حياتهم على نفس الوتيرة لسنوات عديدة ، يستيقظون جميعا مع شروق الشمس يعملون في الحقل ورعاية الحظيرة التى امتلأت بالحيوانات ...وعندما يضاجع الليل أطراف الغابة ويرخى سدله على أحراش السافانا فقد كانوا يهرعون الى اسرتهم لينعموا بنوم  هادئ لا ارق فيه ولا ضجيج ولاهموم .

أنه ذنبي .. ماكان علي استقباله في مزرعتنا  !!

هكذا قال انتونيو والأسى يعلو وجهه لزوجته أنابيلا والتي ماتزال به تقنعه لمغادرة السافانا واللحاق بابنتهما ساندي ، والتي غادرت متخفية مع ذلك السائح الذي اضاع طريقه في رحلته لافريقيا ..والتقاه أنتونيو وعرض عليه استضافته ومساعدته  في العودة للمدينة ذات صباح

ماكان يدري أنتونيو انه قد فتح امام ساندي شرفة لدنيا لم تعرفها .من قبل . ولأول مرة في حياتها يخفق قلبها بشدة وهى تلتقي برجل يتسور محرابها لأول مرة ليضاجع أحلام يقظتها ... فهي قد ولدت وترعرت في هذا المكان ..وكل ماتعرفه هو ماتراه امامها

حين حضر هذا السائح ومعه تلك الاغراض الغريبة وبخاصة ذلك الكتاب الملون كما كانت تسميه ساندي وهى تتحسسه بأصابعها الرقيقة فى إنبهار ذلك الكتاب الذي احتفظ فيه هذا الغريب بصور مغامراته من رحلاته السابقة  .. كم كانت منبهرة وهي تشاهد تلك المدن والشوارع والاهم ...الوجوه

أريد ان ارى تلك الحياة  ..  صرخت ساندي وهي تحمل بين يديها  تلك الصور وكانها أحدى الأيقونات المقدسة .. لم يمر سوى أيام معدودة حتى تحولت تلك الصرخة الى صدى لقرار اتخذته ساندي في صمت وغادرت مع السائح ...بعد ان تركت لاهلها رسالة مفادها انها سترحل باحثة عن حياة اخرى بعيدا عن السافانا ، وختمت رسالتها بتلك العبارة

سأبحث عن قدري ... فقدركما لا يناسبنى  ... ساندي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق