الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

الرسالة

كانت ليلى تلك الفتاة التى لم تغادر بعد قطار المراهقة ، ولم تتذوق طعم المشاعر المتوهجة فى تلك المرحلة ، تقف بجوار أبيها الذي كان يحمل شبكة صغيرة ويلقى بها إلى مياة البحر طلباً للرزق
لم يكن البحر فى ذلك اليوم ليفتح خزائن جوده ، ثم أن الشبكة أسقطت غنيمة من عالم آخر ، لكنها لم تكن لتجلب السعادة لقلب الأب ، فقد كانت زجاجة أحكمت سدادتها وبداخلها ورقة قد لفت بعناية واحيطت بشريط حريري أحمر
أمسك الأب بالزجاجة وناولها للفتاة التي فتحتها وفضت بكارة الرسالة ، لتجد بداخلها عدة كلمات قد كتبت بحر أزرق وتخللها قلب وشفتان مطبوعتان باللون الأحمر ، لم يكن هناك أمر ليستطيع أن يستدعي مراهقتها من غفوتها مثل تلك الرسالة
كانت الرسالة تقول "أنتظرك يا حب عمري يوم الخامس عشر من إبريل عند بوابة المنتزه صباحاً.. احبك" كلمات قليلة ولكنها اخترقت قلبها كسهم صوب من قرب نحو خبيئتها
لم تكن الفتاة التى بدأت تخطو أنوثتها بقوة مغادرة محطة المراهقة لتعرف معنى تلك الكمات قبل ذلك اليوم ولا مفعلوها السحري على نفسها ولا جسدها ، بل لم تكن لتوقظ احلام يقظتها التى أثقلها حمل الأعباء اليومية ورعاية أخوتها وإستذكار دروسها اليومية وهى فى كل كل ذلك مرتحلة فى مشوار شقاءها اليومي ، وهى التى لم تكن لتشارك زميلات الفصل قصصهن حول الفتيان ومغامرات الشاطئ والمقاعد الخلفية فى السينما والقبلات المختلسة من بين شفاة مرتعشة خوفاً من الإفتضاح
في ذلك اليوم حط هلى وسادتها أول حلم يقظة فى حياتها ، زارها طيف لم تستطع تحديد ملامحه ، زارها وهو يحمل تلك الرسالة ، ومنحها ثلاث قبلات على جبينها ، ولأول مرة تشعر بما تشعر به زميلات عمرها ، ولأول مرة يخالجها شعور الرغبة والرهبة والسعادة والخجل 
لما حدثت زميلتها الوحيدة أحلام بقصة الرسالة وما شعرت به ، التقطت أحلام صورة للرسالة بجوالها ورفعتها على موقع الفيسبوك بعد ان قامت بفتح صفحة خاصة بزميلتها ليلى وكتبت تحت الرسالة وصلتنى رسالتك ... أنتظرك .. لك حبي
حقاً لم تكن ليلى لتفعل ذلك ولكنها لم ترفض ايضا ما قامت به أحلام ، بل لعلها تمنت ان يكون قدرها أن تلتقى ذلك الطيف الملائكي الذي منحها تلك اللحظات من السعادة
وفى الموعد المحدد وقفت ليلى ترتدى ثوباً جميلاً اقترضته من احلام وهى تمسك بالرسالة بين يديها أمام بوابة المنتزه ... وبعد مرور عشر دقائق سمعت صوت ارتطام وصراخ وتجمع الناس فى وسط الحارة فى الجهة المقابلة من الشارع حول شاب مستلقى على الأرض بعد أن صدمته سيارة مسرعة وهو يمسك بيده باقة من الزهور الحمراء وبيده الأخرى نسخة من الرسالة ... احتضنته ليلى ووسدت رأسه صدرها وبكته حيت فاضت روحه وهو بين يديها
ثم عادت للبيت لتكمل مشوار شقاءها اليومي ... كانت تلك الذكرى تمر دائماً أمام عينيها خلال العشرين عاماً الماضية وهي بين يدي زوج لم تشعر معه يوماً سوى بالحرمان لتقلل عذابات تلك الدقائق التى يتناولها خلالهن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق